بِالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَلَيْسَ لِلْإِسْرَافِ جُمْعَةٌ مُبَارَكَةٌ أَعِزَّائِي الْمُؤْ



ب
ِالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَلَيْسَ لِلْإِسْرَافِ

جُمْعَةٌ مُبَارَكَةٌ أَعِزَّائِي الْمُؤْمِنِينَ!

 

 مَرَّ النَّبِيُّ الْكَريمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدِ أَقَارِبِهِ وَهُوَ سَعْدُ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْمَعْرُوفُ بِحُبِّهِ لَهُ. كَانَ حِينَهَا يَتَوَضَّأُ. وَقَدْ لَاحَظَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْرافَهُ لِلْمَاءِ أَثْناءَ الْوُضُوءِ فَقَالَ لَهُ "مَا هَذَا الْإِسْرَافُ؟" فَرَدَّ عَلَيْهِ سَعْدٌ قَائِلاً "وَهَلْ هُنَاكَ إِسْرَافٌ فِي اْلوُضُوءِ يَا رَسُولَ اللهِ؟" فَكَانَ جَوَابُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نَعَمْ، وَلَوْ كُنْتَ تَتَوَضَّأُ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ" 1.

 

أَعِزَّائِي الْمُؤْمِنِينَ!

كَانَ النَّبِيُّ الْحبَيِبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْرِكُ قِيْمَةَ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَهَا اللهُ عَلَيْهِ وَكَانَ يَذْكُرُ بِها أَصْحابَهُ فِي كُلِّ فُرْصَةٍ. كَانَ يُعَلِّمُنَا اِسْتِخْدَامَ النِّعَمِ الّتِي نَمْتَلِكُها فِي الْبَرَكَةِ وَالْقَحْطِ وَيَمْنَعُنَا مِنَ الْإسْرافِ. لِأَنَّ الْإسْرافِ هُوَ اِسْتِخْدَامَ  الطَّعامِ وَالشَّرابِ وَالْمَلابِسِ وَالْوَقْتِ وَالصِّحَةِ وَجَميعِ النِّعَمِ دُونَ أَيِّ حَدٍّ أَوْ حُسْبانٍ وَفِقْدَانِ التَّوَازُنِ وَالْاِعْتِدَالِ. لِأَنَّ  فِي ذَلِكَ حَرامٌ لِلْإنْسانِ وَلِما حَوْلَهُ وَلِجَميعِ الْكائِناتِ. اَلْإسْرافُ هُوَ الْاِبْتِعادُ عَنْ وَعْيِ الْخَلْقِ وَغَالِيَةِ الْخَلْقِ. اَلْإسْرافُ هُوَ فِي ذَاتِ الْأَوَانِ عَدَمُ احْتِرَامِ اسْمِ اللهِ تِعَالَى "اَلرَّزَّاقِ".

 

إِخْوَانِي الْكِرَامِ!

اَلْإسْرافُ هُوَ أَكْبَرُ كَارِثَةٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فِي يَوْمِنَا الْحالي. وَلَا شك أَنَّ الْإسْرافَ دُونَ أَيِّ تَفْكِيرٍ وَصَرْفِ الْمَلَايِينِ دُونَ احْتِياجٍ لهَا وَرَمْيِ الْمِلَابِسِ دُونَ اسْتِخْدَامِها فِي وُجودِ الْمَلَايِينِ فِي فَكِّ الْجُوعِ وَالْفَقْرِ وَالْبَؤسِ. لَا تَسْمَحُ أَيٌّ مِنْ مَقَايِيسِ الْعالَمِ بِالْقَبُولِ بِرَمْيِ اللُّقْمَةِ الْفَائِضَةِ فِي وُجودِ الْمَظْلومينَ الْمُحْتاجينَ لِلْخُبْزِ وَالْمَاءِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنَ الْاِحْتِيَاجاتِ الْخاصَّةِ.

 

اَلْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!

لَا تَلْتَزِمُ حُدُودُ الْإسْرافِ بِالْأمْلَاكِ وَالْأَشْيَاءِ فَحَسْبُ. اَلْإسْرافُ الْأكْبَرُ فِي حَياةِ الْإِنْسَانِ هُوَ نِسْيَانُهُ غَايَةَ رَبِّهِ فِي خَلْقِهِ وَكَيْفِيَّةِ اسْتِخْدَامِ ذَلِكَ فِي وُجودِهِ وَهَباءِ عُمْرِه. وَعَدَمُ جَمْعِ نِعْمَةِ الْعَقْلِ الَّذِي حَصَلَ عَلَيْهِ مَعَ الْإِيمانِ وَالْحِكْمَةِ. وَعَدَمِ اسْتِخْدَامِ  الْإنْسانِ لِجِسْمِهِ وَقُوَّتِهِ وَإرَادَتِه فِي طَريقِ الْحَقِّ وَالْحَقِيقَةِ وَانْشِغَالِهِ بِالْمَشَاغِلِ الْبَسِيطَةِ. وَعَدَمِ اسْتِخْدَامِ  الْعِلْمِ وَالْخِبْرَةِ وَالْمَعْلُومَاتِ وَالتَّقْنِيَّاتِ الَّتِي يَمْتَلِكُهَا لِصَالِحِ الْإنْسانَيَّةِ بَلْ لِإفْسادِ الْإنْسانِيَّةِ.

 

إِخْوَانِي!

يَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي يَوْمِنَا الْحالي مَفْهومُ السَّعْيِ لَلْكَسْبِ أَكْثَرَ وَالصَّرْفِ أَكْثَرَ وَمَعَ ازْدِيادِ انْتِشَارِ هَذَا الْمَفْهُومِ يَشْعُرُ الْإْنْسانُ أًنَّهُ سَيَكُونُ ذُو قِيْمَةٍ أَكْثَرَ. وَيَتِمُّ إِبْرازُ الْحيَاةِ الّتِي  تَعْتَمِدُ عَلَى التَّكَلُّفِ وَالشَّكْلِيَّاتِ وَالْمَصارِيفِ الّتِي  تَعْتَمِدُ عَلَى التَّرَفِ وَالْإسْرافِ. وَبِذَلِكَ يُجَهِّزُ الْإنْسانُ عُمْرَهُ لِلْاِسْتِهْلَاكِ بَدَلَ الْإنْتاجِ وَبِالتَّالي يَبْدَأُ بِاسْتهلَاكِ قِيَمِهِ الْمَعْنَوَيَّةِ وَغَايَتِه فِي الْحَيَاةِ. لَكنْ ذُكِرَ فِي الْقرآنِ الْكريمِ أَنَّ الإنسانَ جَاءَ إلى هَذِهِ الْحياةِ مِنْ أَجْلِ الْإعْمارِ وَالْإصلَاحِ وَأمْرِ بِعَدَمِ فِقْدانِ الطَّريقِ الْوَسَطِ الْاِقْتِصَادِيِّ وَالْمُتوَازَنِ. وَصَفَ الله تعالى المؤمنينَ قَائلاً " وَالَّذينَ اِذَٓا اَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذٰلِكَ قَوَامًا.

" 2. وَقال رسول الله صلى الله عليه وَسلم فِي حديثه الكريم " كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا ، فِى غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ.

" 3 أَيْ أَنَّهُ دَعانا لِلْاِلْتزامِ بِأخلَاقِ الْاِسْتهلَاكِ.

 

اَلْمُسْلِمونَ الْأفاضِلُ!

دَعُونَا نُدْرِكُ جَميعَ النِّعَمِ الَّتِي  أَنْعَمَها اللهُ عَلَيْنا. وَلَا نُسْرِفُ أَيَّ نِعْمَةٍ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ وَلَا نُسْرِفُ وَقْتَنَا فِي الْفَراغِ. وَلِنَتَهَرَّبْ مِنَ الْإسْرافِ فِي طَعامِنا وَشَرابِنا وَلباسِنا وَمَصارِيفِنا. وَلِنَحْمِ الْموَاردَ الطَّبِيعِيَّةَ وَمُمَلِّكاتِنَا مِنَ الطَّبِيعةِ. وَنُدْرِكُ أَنَّنا سَنَتَعَرَّضُ لِلْمُسائَلَةِ فِي يَوْمٍ مَا عَنْ كُلِّ هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي  أَنْعَمَها الله تعالى عَلَيْنا. دَعُونَا نتَسَلَّحُ بِأخْلَاقِ الْإنْفاقِ قَبْلَ أَنْ تُفْسِدَ أَخْلَاقَنا أَمَامَ هَذِهِ النِّعَمِ وَقَبْلَ أَنْ نَغوصَ فِي التَّرفِ دُونَ وَعْيٍ. دَعُونَا نُرَاقِبُ التَّوَازُنَ الَّذي وَضَعَه اللهُ تعالى لِلْحَياةِ وَالْكَائِنَاتِ. فِي حَالِ الْإخْلَالِ بِهَذا التَّوَازُنِ سَتَفْقِدُ الْحَياةُ بِرَكَتَها وَسَيَفْقِدُ الْمُجْتَمَعُ رَاحَتَهُ وَسَيَقومُ الْإنسانُ بِإيذاءِ نَفْسِه وَإيذاءِ الْأجْيالِ الْقادِمَةِ. دَعُونَا لَا نَنْسَى أَنَّ لِلنِّعَمِ حُدودٌ لَكِنْ لَا حُدودَ لِطَلَبَاتِ النَّفْسِ.

 

إِخْوَانِي!

 سَنَبْلُغُ اللَّيْلَةَ الَّتِي  تَفْصُلُ بَيْنَ يَوْمِ الْأَحَدِ وَيَوْمِ الْاِثْنَيْنِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ الْمُبارَكَة الَّتِي  بَدَأ اللهُ تعالى فِيها بِإنْزالِ الْقُرْآنِ. هَذِهِ اللَّيْلَةُ هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ لِذَلِكَ دَعُونَا نَسْتَغِلُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ أَجْمَلَ اسْتِغْلَالٍ. دَعُونَا نَتوبُ عَنْ أَخْطائِنا وَنُدَرِّسَ حَياتَنا مَرَّةً أُخْرَى وَنُحاسِبُ أَنْفُسَنا. وَأَدْعُوا اللهَ تعالى أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ هَذِهِ وَسِيلَةَ خَيْرٍ لِبَلَدِنا وَشَعْبِنا وَجَمِيعِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.

 

 

1 ابن ماجه، الطهارة،

2 الفرقان،

3 البخاري، اللباس، زكاة النساء

 

 

المديرية العامة للخدمات الدينية

 


إرسال تعليق

أحدث أقدم