رَسَائِلُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى

رَسَائِلُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى


أَعِزَّائِي الْمُؤْمِنِينَ!

نَقْرَأُ بَعْدَ صَلَاِة الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ آخِرَ ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْحَشْرِ. وَنَذْكُرُ وُجُودَ اللَّهِ وَنُوَحِّدُهُ وَنَذْكُرُ وَحْدَانِيَّتَهُ وَنُسَبِّحُهُ بِأَجْمَلِ أَسْمَائِهِ. وَقَدْ بَشَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَاتِ صَبَاحًا وَمَسَاءًا بِأَنَّ الْمَلَاِئكَةَ سَتَدْعُو لَهُ. 1

أَعِزَّائِي الْمُسْلِمِينَ!

تَعَلَّمَنَا آخِرُ ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْحَشْرِ " هُوَ اللّٰهُ الَّذ۪ي لَٓا اِلٰهَ اِلَّا هُوَۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِۚ هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّح۪يمُ" مَبْدَأَ التَّوْحِيدِ وَضَرُورَةَ الْإيمَانِ بِهَذِهِ الْحَقِيقَةَ مِنَ الْقَلْبِ وَالْإرْتِبَاطِ بِاللَّهِ تَعَالَى اِرْتِبَاطًا صَادِقًا. وَهُوَ الرَّحْمَنُ صَاحِبُ الرَّحْمَةِ تُجَاهَ جَمِيعِ النَّاسِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. وَهُوَ الرَّحِيمُ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ يَوْمَ الْآخِرَةِ.

يَعِيشُ الْمُؤْمِنُ وَهُوَ مُدْرِكٌ تَمَامَ الْإدْرَاكِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَاهُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ وَيَعْلَمُ نِيَّتَهُ. لِأنَّهُ آمَنَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ 2.

إِخْوَانِي الْاَفَاضِلُ!

يُعَرِّفُنَا اللُّه تَعَالَى ذَاتَهُ أَيْضاً بِأَسْمَاءِ " اَلْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَز۪يزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُۜ " فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمَلِكُ صَاحِبُ الْمُلْكِ الْحَقِيقِيِّ. وَهُوَ صَاحِبُ الْوُجُودِ وِالْغَيْبِ. وَهُوَ الَّذِي ائْتَمَنَنَا عَلَى مَا نَمْلِكُهُ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ. حَيْثُ يَعِيشُ الْمُؤْمِنُ الْوَاعِي حَيَاتَهُ وَهُوَ مُدْرِكٌ بِشَكْلٍ تَامٍّ أَنَّ كُلَّ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ نِعَمٍ هِيَ أَمَانَةٌ لَدَيْهِ. فَلَا يَقَعُ أَسِيرَ الْمَالِ وَالْمُلْكِ وَالْمَقَامِ وَالْمَنْصِبِ وَالشُّهْرَةِ. بَلْ يَسْعَى جَاهِدًا لِلْحِفَاظِ عَلَى الْأمَانَةِ لِأنَّهُ يُدْرِكُ بِقُرْبِ الْيَوْمِ الَّذِي سَيُقَدِّمُ فِيهِ الْحِسَابَ عَنْ هَذِهِ الْأمَانَةِ.

اَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْقُدُّوسُ، بَعِيدٌ تَمَامًا عَنْ كُلِّ نَقْصٍ. وَهُوَ صَاحِبُ الْمُلْكِ. وَهُوَ السَّلَامُ، مَوْرِدُ الْأمْنِ وَالْإطْمِئْنَانِ. حَيْثُ يَسْعَى الْمُؤْمِنُ جَاهِدًا لِتَأْمِينِ الْإطْمِئْنَانِ وَالرَّاحَةِ فِي حَيَاتِهِ وَبِالْخَاصَّةِ فِي حَيَاةِ عَائِلَتِهِ.

اَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُؤْمِنُ، مَانِحُ الْأمْنِ وَالْأمَانِ مِنَ الْخَوْفِ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ. وَهُوَ الَّذِي يُقَدِّمُ الْإيمَانَ لِمَنْ يَفْتَحُ أَفْئِدَتَهُ. وَهُوَ الْمُهَيْمِنُ، الَّذِي يَرَى كُلَّ شَيْءٍ. وَهُوَ دَعْمُنَا وَسَنَدُنَا الَّذِي نَرْفَعُ لَهُ أَيْدِيَنَا مُتَضَرِّعِينَ بِالدُّعَاءِ لَهُ لِيُزِيلَ عَنَّا كُلَّ هَمٍّ وَغَمٍّ.

وَهُوَ الْعَزِيزُ، اَلْغَالِبُ وَصَاحِبُ الْعِزَّةِ وَالشَّأْنِ الْحَقِيقِيِّ. وَهُوَ الْجَبَّارُ، الَّذِي يَقُومُ بِكُلِّ شَيْءٍ فِي أَيِّ وَضْعِيَّةٍ كَانَتْ، اَلَّذِي يُدَاوِي الْجُرُوحَ وَيَقَدِّمُ الْحَلَّ لِكُلِّ هَمٍّ. وَهُوَ الْمُتَكَبِّرُ، الَّذِي يَلِيقُ بِهِ التَّكَبُّرُ، وَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي التَّكَبُّرِ. وَكُلُّ مَنْ أَمَامَهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ. " سُبْحَانَ اللّٰهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ "، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَلَا مَثِيلَ لَهُ.

أَعِزَّائِي الْمُسْلِمِينَ!

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الآيَةِ الْآخِيرَةِ مِنْ سُورَةِ الْحَشْرِ " هُوَ اللّٰهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ". أَيْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ مَنْ يَشَاءُ بِالشَّكْلِ الَّذِي يَشَاءُ وَهُوَ لَا مَثِيلَ لَهُ. وَهُوَ الَّذِي يُحَدِّدُ شَكْلَ وَمُمَيِّزَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ. يَقُومُ الْمُؤْمِنُ لِغَايَةِ أَنْفاَسِهِ الْأخِيرَةِ بِالتَّمَسُّكِ بِالْفِطْرَةِ النَّظِيفَةِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا اللَّهُ عَلَيْهِ. لِأنَّهُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَهْتَمُّ بِالشَّكْلِ وَالْمَالِ وَالْمُلْكِ بَلْ يَهْتَمُّ بِالْإيمَانِ الْكَامِلِ وَالْقَلْبِ السَّلِيمِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْأخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ. وَيَسْعَى جَاهِدًا لِلْإبْتِعَادِ عَنِ الْحِقْدِ وَالْغِلِّ وَالْفِتْنَةِ وَالْحَسَدِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَاوِئِ.

" لَهُ الْاَسْمَٓاءُ الْحُسْنٰىۜ". نَتَضَرَّعُ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَجْمَلِ أَسْمَائِهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إلا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ " 3   لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ غَايَتُنَا أَجْمَعِينَ هِيَ إِدْرَاكُ مَعْنَى أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهَا.

" يُسَبِّـحُ لَهُ مَا فِي السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِۚ وَهُوَ الْعَز۪يزُ الْحَك۪يمُ" وَيَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا أَنْ نُسَبِّحَ لِلَّهِ تَعَالَى سِرًّا وَعَلَانِيَةً لِنَيْلِ رِضَاهُ.

إِخْوَانِي الْمُحْتَرَمِينَ!

أَحَدُ شُرُوطِ الْإيمَانِ بِاللَّهِ هُوَ عَدَمُ الْإشْرَاكِ بِهِ وَعَدَمِ السُّجُودِ أَمَامَ أَيِّ قُوَّةٍ أَوْ قُدْرَةٍ سِوَاهُ. وَعَدَمِ إِهْمَالِ وَظَائِفِ الَّتِي تُعْتَبَرُ مِنْ مُؤَشِّرَاتِ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ وَمَهَامِّ الْعَبْدِ تُجَاهَهُ.

دَعُونَا نَتَضَرَّعُ لِلَّهِ  تَعَالَى فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ الْمُبَارَكِ: يَا اَللَّهُ! اِجْعَلْنَا مِمَّنْ آمَنَ بِكَ وَارْتَبَطَ بِدِينِ الْإسْلَامِ وَأَدْرَكَ الْحَقَائِقَ الَّتِي عَلَّمْتَنَا إِيَّاهَا فِي آيَةِ الْحَشْرِ وَالْتَزَمَ بِهَا! وَلَا تُحَرِّمْنَا مِنْ دَلِيلِنَا الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَمِثَالِيَّةِ قُدْوَتِنَا النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

يَا اَللَّهُ! اِشْفِ مَنْ أُصِيبَ مِنَّا مِمَّنْ اِبْتَغَوُا الشَّهَادَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ  وَ اَصْبِحُوا مِنَ الْمُصَابِّينَ فِي الْحَرْبِ، اَللّهُمَّ اعْطُفْ عَلَيْهِمْ بِالشِّفَاءِ وَالْإطْمِئْنَانِ.

وَارْحَمْ شُهَدَائَنَا الَّذِينَ ضَحُّوا بِأَرْوَاحِهِمْ فِي سَبِيلِ الْوَطَنِ وَالْمُقَدَّسَاتِ!

1 الترمذي، فضائل القرآن 22

2 ق، 50/16

3 البخاري، الشروط، 18

المديرية العامة للخدمات الدينية

إرسال تعليق

أحدث أقدم