رُوحُ الْوَحْدَةِ وَالْإتِّحَادِ
بَارَكَ اللَّهُ لَكُمْ في جُمُعَتِكُمْ إِخْوَانِيَ الْمُؤْمِنُونَ!
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"[1]. وَيَقولُ رَسُولُنا الْكَرِيمُ (ص): "مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الْأرْضِ مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ"[2].
إِخْواني!
لَقَدْ مَرَرْنا بِامْتِحَانَاتٍ ثَقِيلَةٍ وَكَوَارِثَ كَبِيرَةٍ. بِالْأمْسِ الْقَرِيبِ سَارَتْ عَلَيْنَا الْقِوَى الَّتِي تَصَدَّأَ وِجْدَانُها وَفَقَدَتْ إِنْصَافَها وَإِنْسانِيَّتَها في جَنَقْ قَلْعَةَ وَصَقَارْيا وَدُومْلُوبِينَارَ لِتَمْحِينَا مِنَ المَشْهَدِ التَّارِيخِيِّ، وَتَعَرَّضْنا في 15 تَمُّوزَ لِوَاحِدَةٍ مِنْ كُبْرَى الخِيَانَاتِ في تَارِيخِنَا. كانَتْ لَدَيْنَا قُوَّةٌ عَظِيمَةٌ جَعَلَتْنَا نَظْفَرُ وَنَنْتَصِرُ في هَذِهِ الْأيَّامِ الصَّعْبَةِ. هَذِهِ القُوَّةُ هِيَ إِيمَانُنَا الرَّاسِخُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَعِشْقُنا لِلْوَطَنِ وَالعَلَمِ وَالْأذَانِ وَالْإسْتِقْلَالِ، وَحُبُّنَا لِأنْ نَكُونَ غُزَاةً وَشُهَداءَ.
لَقَدِ اتَّخَذْنَا هَذِهِ الْأرَاضِي وَطَناً لَنَا وَنَحْنُ نَبْذُلُ فِي سَبيلِ الدِّينِ وَالمُقَدَّساتِ اَلْآلَافَ مِنْ أَبْنَائِنَا مِنْ شَرْقِهَا وَغَرْبِهَا وَجَنُوبِهَا وَشِمَالِهَا. وَتَغَلَّبْنَا عَلى جَمِيعِ الصُّعُوبَاتِ وَالمَشَقَّاتِ بِالسُّجودِ لِلرَّحْمَنِ وَعِبادَتِهِ وَحْدَهُ وَالتَّوَجُّهِ مَعاً إلى قِبْلَةٍ واحِدَةٍ، وَالمَحَبَّةِ الْمُتَبادَلَةِ، وَرُوحِ الْوَحْدَةِ وَالْإتِّحادِ.
أيُّها المُؤْمِنونَ الكِرامُ!
نَحْنُ الْأمَّةُ الْإسْلَامِيَّةُ وَالوُجُودُ الْإسْلَامِيُّ نَمُرُّ مِنْ دَائِرَةِ الْامْتِحَانِ فيِ السَّنَوَاتِ الْأخِيرَةِ. فَالَّذِينَ يُرِيدُونَ إِضْعَافَ قُوَّتِنَا وَالْإيقَاعَ بَيْنَ الْإِخْوَانِ يَهْجُمُونَ عَلَيْنَا بِسِلَاحِ الْفِتْنَةِ وَالإرْهَابِ وَالْخِيَانَةِ. وَيَعْمَلُونَ لِجَرِّ بَلَدِنَا أَيْضاً إلى حُفَرِ النِّيرَانِ المُشْتَعِلَةِ في شَتَّى أَنْحَاءِ الْعَالَمِ الْإسْلَامِيِّ، وَيَتَوَسَّلُونَ إِلَى الدَّسَائِسِ وَالْمَكَائِدِ وَالْخُطَطِ وَالْفِخَاخِ الْمُخْتَلِفَةِ لِإسْتِهْدَافِ وُجوُدِنَا وَبَقَائِنَا وَإسْتِقْلَالِنَا وَمُسْتَقْبَلِنَا، وَيُهَدِّدُونَ وَحْدَتَنَا وَتَضَافُرَنَا وَهُمْ في الْحَقِيقَةِ يُرِيدُونَ الْقَضَاءَ عَلَى أَمَلِ الْأمَّةِ الْإسْلَامِيَّةِ.
إِخْوانِيَ الْأعِزَّاءُ!
إِنَّهُ مَا مِنْ شَكٍّ أَنَّ شَعْبَنا النَّجِيبَ سَوْفَ يُفْسِدُ بِفَراسَتِهِ وَبَصيرَتِهِ جَميعَ الْألَاعِيبِ الْمُظْلِمَةِ الَّتِي تُلْعَبُ الْيَوْمَ، وَيَتَغَلَّبُ عَلَى الصِّعَابِ مَرَّةً أُخْرَى بِالتَّعَاوُنِ وَالتَّضامُنِ، وَيُخْمِدُ الخِيانَةَ. والّذِينَ يَسْتَهْدِفُونَ هَذا الشَّعَبَ البَطَلَ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْوَطَنَ يَأْتِي في مُقَدِّمَةِ أَغْلَى مَا نَمْلِكُ، وَأَنَّنَا مُسْتَعِدُّونَ لِتَحَمُّلِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ إِنْ لَزَمَ الْأمْرُ، لَكِنَّنَا لَا نَتَخَلَّى قَطُّ عَنِ الْحُرِّيَّةِ وَالْإسْتِقْلَالِ وَالْعِزَّةِ وَالْكَرَامَةِ، وَأَنَّنَا نَفْدِي بِأَرْوَاحِنَا فِي سَبيلِ مُقَدَّسَاتِنَا وَلا نَتَنَازَلُ عَنْ شِبْرٍ مِنْ أَرْضِنَا.
هَذَا الشَّعْبُ الْعَظِيمُ كَانَ وَلَا يَزالُ يُفَضِّلُ السَّلامَ عَلى الْحَرْبِ وَالْوَحْدَةَ عَلَى التَّفْرِقَةِ. وَشِعَارُنَا الْأسَاسِيُّ يَتَمَثَّلُ فِي الْوُقُوفِ دَائِماً بِجَانِبِ الْمَظْلُومِ ضِدَّ الظَّالِمِ، وَالدِّفَاعِ عَنِ الْحَقِّ وَالْحَقيقَةِ، وَمُساعَدَةِ الْمُحْتَاجِينَ وَبَثِّ الْأمَلِ فِي نُفُوسِ الْمَسَاكِينِ وَالْمُظْلُومِينَ وَالْلَاجِئِينَ.
ونَحْنُ لَدَيْنا كَأُمَّةٍ مُثُلٌ عُلْيَا تَقُومُ عَلَى مَفْهُومِ الْفَتْحِ فِي الْإسْلَامِ. وهَذِهِ الْمُثُلُ تَتَجَلّى فِي تَعْظِيمِ الْقِيَمِ لَا إِسْتِغْلَالِهَا، وَتَقْدِيمِ الْأمْنِ وَالسَّلَامِ وَالْحَضَارَةِ لِلإنْسَانِيَّةِ، وَالْعَمَلِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَعُمَّ الْخَيْرُ ويَزُولَ الشَّرُّ. وَالنِّضَالُ المَجِيدُ الّذِي يُبْدِيهِ الْيَوْمَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ شَعْبِنَا بِالتَّعَاوُنِ مَعَ قُوَّاتِ الْأمْنِ الْأبْطالِ هُوَ تَجَلِّي هَذِهِ الرُّوحِ الْعَظيِمَةِ وَالْمُثُلِ الْعُلْيَا.
أيُّها الْمُؤْمِنُونَ الْأعِزَّاءُ!
هُنَاكَ مَسْؤُولِيَّاتٌ وَمَهامٌ تَقَعُ على عَاتِقِنَا أَمَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَامَ التَّارِيخِ بِاسْمِ الْإنْسَانِيَّةِ. فَلْنُوَاصِلْ طَرِيقَنَا فِي الرَّبْطِ بَيْنَ قُلُوبِنَا بِأَوَاصِرِ أُخُوَّةِ الْإيمَانِ، وَمَدِّ جُسُورِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَهَا رَغْمَ أَنْفِ الَّذِينَ يُريدُونَ الْإيقَاعَ بَيْنَنَا. لِنَكُنْ يَقِظِينَ حِيَالَ الْألَاعِيبِ الْمَوَجَّهَةِ لِإثَارَةِ الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ وَالْإرْهَابِ.
تَعَالَوْا نَتَجَنَّبِ الْأقْوَالَ وَالْأفْعَالَ الَّتِي تُفْسِدُ وَحْدَتَنَا وَمَحَبَّتَنَا وتُثَبِّطُ عَزِيمَتَنَا كَمَا قَالَ شَاعِرُنَا، شَاعِرُ الْإسْتِقلالِ
في قَصِيدَتِهِ هَذِهِ:
أَلَيْسَ الْإيمَانُ فِي صَدْرِ جَبْهَتِنَا وَاحِدٌ؟
والْفَرَحُ وَالْألَمُ وَالْهَمُّ وَالْوِجْدانُ وَاحِدٌ؟
ألَا يَخْفِقُ في الْمَيْدَانِ دُونَمَا مَلَلٍ أَوكَلَلٍ قَلْبٌ واحِدٌ؟
فَكُنْ عَلَى يَقيِنٍ؛ هَذِهِ الْجَبْهَةَ لَنْ تَنْهَارَ وَلَو اَنْهارَ الْعَالَمُ!.
إِخْواني!
تَعَالَوْا نَتَوَجَّهْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْجُمُعَةِ الْمُبَارَكَةِ وَنَتَضَرَّعْ إِلَيْهِ مَعاً:
اَللَّهُمَّ بِحَقِّ سُورَةِ الْفَتْحِ الَّتِي تُتْلَى؛ أَنْزِلِ النَّصْرَ عَلىَ قُوَّاتِنَا الْأمْنِيَّةَ وَجَيْشِنَا الْمِغْوَارَ الَّذِي يُنَاضِلُ فِي سَبِيلِ الْإسْتِقْلَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ وَالْوَحْدَةِ وَالْإتِّحَادِ. اَللَّهُمَّ انْصُرْنَا شَعْباً وَارْحَمْ شُهَدَاءَنَا وَشَافِ وعَافِ غُزَاتَنَا.
اَللَّهُمَّ لَا تُمَكِّنْ مَنْ يُرِيدَ النَّيْلَ مِنْ وَحْدَتِنَا وَعِزَّتِنَا وَكَرَامَتِنَا. اَللَّهُمَّ احْفَظْ شَعْبَنَا وَالْأمَّةَ الْإسْلَامِيَّةَ مِنَ العُدْوَانِ الدَّاخِلِيِّ وَالْخَارِجِيِّ.
اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا جَسَداً وَاحِداً وَقَلْباً وَاحِداً فِي وَجْهِ الَّذِينَ يَتَغَذَّوْنَ على الْإرْهَابِ وَالْعُنْفِ وَالْوَحْشِيَّةِ وَالدِّمَاءِ وَالدُّمُوعِ وَالْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ. اَللَّهُمَّ لَا تَخْذُلْ هَذَا الشَّعْبَ الْعَزِيزَ الّذِي يَحْمِلُ لِوَاءَ الْإسْلَامِ مُنْذُ عُصُورٍ وَيُجاهِدُ لِيَبْقَى اسْمُكَ مَرْفوعاً فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ!
[1] آل عمران، 3/ 103.
[2] البخاري، الجهاد، 21. مسلم، الإمارة، 109.
من إعداد المديرية العامة للخدمات الدينية
