الْأَعْماَلُ الصَّالِحَةُ الَّتِي نَنَالُ بِهَا رِضَى اللهِ تَعاَلَى
ايُّها الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
سَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ الصَّحاَبَةَ ذَاتَ يَومٍ فَقاَلَ " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صاَئِماً ؟ قال أبُو بَكْرٍ أناَ . قال فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَناَزَةً ؟ قال أبو بكرٍ أنا. قال فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِيناً ؟ قال أبو بَكْرٍ أنا. قال فَمَنْ عاَدَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضاً ؟ قال أبُو بَكْرٍ أنا. فَقاَلَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ماَ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْخِصاَلُ قَطُّ فِي رَجُلٍ إلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ " 1.
أَيُّها الْمُؤْمِنُونَ الأفاضِلُ!
سَبَبُ خَلْقِناَ هو التَّعَرُّفُ عَلَى اللهِ تعالى بِمَعْنَى الْكَلِمَةِ والتَّعَلُّقُ بِهِ مِنَ الْقَلْبِ والإِنْصِياَعُ لِأواَمِرِهِ والْإِمْتِناَعُ عَماَّ نَهاَناَ عَنْهُ. سَبَبُ وُجُودِناَ هو الْإِيماَنُ والْعَمَلُ الصَّالِحُ والْخَيْرُ والْأخْلاَقُ الصَّالِحَةُ. والطَّرِيقُ إلى ذَلِكَ عَبْرَ الْإِلْتِزَامِ بِالْقُرآنِ والسُّنَّةِ. لأنَّ القُرآنَ الكرِيمَ والسُّنَّةَ هِي الدَّلِيلُ الْأساَسِيُّ والدَّلِيلُ الْقَوِيُّ لَناَ خِلالَ سِياحَتِناَ فِي هَذهِ الْحَياَةِ. وَفِي نِهاَيَةِ هَذهِ الرِّحْلَةِ يُبَشِّرُ اللهُ تَعالى بِعِبادِهِ الَّذِينَ الْتَزَمُوا بِتَعْلِيماتِ رَبِّ الْعالَمِينَ وحاَزُوا على رِضاهُ.
إخْواَني!
الْخَطْوَةُ الْأُولَى لِلدُّخُولِ إلى الْجَنَّةِ هي الْإِيمانُ. ولا شَكَّ سَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ كُلُّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ تعالى وَوَحْداَنِيَّتِهِ. وَسَيَصِلُ كُلُّ مَنْ آمَنَ مِنْ أعْماقِ قَلْبِهِ بِأُسُسِ الْإِيمانِ إلى النِّعْمَةِ الْأَبَدِيَّةِ. ومُهِمَّتُناَ هِي الصِّدْقُ فِي إيماَنِناَ والْإِلْتِزاَمُ بِالْعُبُودِيَّةِ لِلهِ تعالى حَتَّى آخِرَ أَنْفاَسِناَ. كَماَ يَجِبُ عَلَيْناَ إظْهارُ إيمانِناَ فِي كَلامِناَ وتَصَرُّفاتِنَا وأَعْمالِناَ الْحَسَنَةِ. لأنَّ اللهَ تعالى قال في كتابِهِ الكريمِ "اِنَّ الَّذ۪ينَ اٰمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِۙ اُو۬لٰٓئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِۜ ﴿٧﴾ جَزَٓاؤُ۬هُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْر۪ي مِنْ تَحْتِهَا الْاَنْهَارُ خَالِد۪ينَ ف۪يهَٓا اَبَداًۜ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُۜ ذٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴿٨﴾ " 2.
إخواني!
اَلْخَطْوَةُ الثَّانِيَةُ فِي الطَّرِيقِ إلى الْجَنَّةِ هِي الْعَمَلُ الصَّالِحُ. وَلاَ حُدُودَ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ والتَّصَرُّفَاتِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي نَتَمَنَّى مِنْ خِلالِها نَيْلَ رِضَى اللهِ تعالى. كُلُّ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ نَلْفِظُها ونَتَكَلَّمُ بِها مِنْ خِلالِ إيمَانِنَا بِالْعُبُودِيَّةِ للهِ تعالى وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يَلِيقُ بِشَرَفِ الْإِنْسَانِيَّةِ وكُلُّ نِيَّةٍ نَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللهِ تعالى فَهِي مِنْ جُمْلَةِ الْأعْمَالِ الصَّالِحَةِ. اَلْأَهَمُّ فِي ذَلِكَ أَنْ لا نَحِيدَ عَنِ الصِّدْقِ وَأنْ لا نُضَحِّيَ رِضَى اللهِ سُبْحانَهُ وتَعَالى وَرَاءَ أَغْراضٍ شَتَّى.
إخواني الأعزاء!
كُلُّ عِبادَةٍ مِنْ عِبَادَاتِنَا هِي عَمَلٌ صَالِحٌ. لكِنَّ الْعِبَادَةَ الَّتِي تُوصِلُنَا إلى الْجَنَّةِ هِي الْعِبَادَةُ الَّتِي تُكْسِبُ الْإِنْسَانَ اَلْأوْصَافَ الْجَمِيلَةَ فِى نَفْسِ الْوَقْتِ. يَجِبُ أنْ تَكُونَ صَلاتُنَا صَلاتًا تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ. ويَجِبُ أنْ يَحْمِيَ صِيَامُنَا لِسَانَنَا مِنَ الْكَلاَمِ الْقَبِيحِ وَيَحْمِيَ يَدَنَا وعَقْلَنا وقَلْبَنَا مِنَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ. كَماَ يَجِبُ أنْ يُعَزِّزَ حَجُّنَا اِسْتِسْلامَنَا لِلَّهِ تعالى وَوَعْيَ الْأُمَّةِ. ويَجِبُ أنْ تُذَكِّرَنَا زَكَاتُنَا وأُضْحِيَّتُنَا واِنْفَاقُنَا ألاَّ نَكُونَ أَسِيرًا لِنِعَمِ الدُّنْيَا.
أيُّهَا المُؤمِنُونَ الأعزاء!
الطَّرِيقُ الآمِنُ والأفْضَلُ الَّذِي يُوصِلُ الْإِيمانَ إلى الذُّرْوَةِ ويُوصِلُ المُؤْمِنَ إلى الْجَنَّةِ هُو الْأَخْلاقُ الْجَمِيلَةُ. يَتَمَيَّزُ المؤمِنُ بِتَصَرُّفاتِهِ ذاتِ الشَّفْقَةِ والأخلاقِ الجَمِيلَةِ تُجاهَ أُمِّهِ وأبِيهِ وزَوْجِهِ وأولادِهِ وجِيرَانِهِ وأَقارِبِهِ وكُلِّ مَخْلوقٍ حيٍّ. لا يُؤْذِي المؤمنُ أيَّ أحَدٍ كان بِيَدِهِ أو بِلِسانِهِ. ويَمْنَحُ الثِّقَةَ لِمَنْ يُحِيطُ بِهِ. ويَكُونُ مُسْتَقِيماً كما أمَرَنَا رَبُّنَا تعالى ولا يَتَخَلَّى عَنْ هَذِهِ الإسْتِقَامَةِ. ولا يَكْذِبُ أبَدًا وإنْ أيْقَنَ أنَّ الضَّرَرَ سيُصِيبُهُ. ويَفِي بِالْوَعْدِ والْعَهْدِ ولا يُسْرِفُ عُمْرَهُ بِالْأعْمالِ الْفَانِيَةِ والَّتِي لا فائِدةَ لَها. السَّالِكُ إلى طَرِيقِ الْجَنَّةِ يَبْتَغِى وَجْهَ اللهِ فِى شَأْنِهِ كُلِّهِ وَفِى كُلِّ لَحْظَةٍ طِوَالَ حَيَاتِهِ.
إخواني!
عِنْدَما نَتَمَنَّى الْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ والنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ فَالْنُحَاسِبْ أنْفُسَنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ. دَعُونَا وبِكُلِّ صِدْقٍ نَسْأَلْ أنْفُسَنَا هذهِ الأسْئِلَةَ: فِى أيِّ مَجالٍ أَفْنَيْنَا عُمْرَنَا الَّذي مَنَحَنَا إيَّاهُ اللهُ تعالى؟ هَلْ سَيُؤَدِّي هذا الطَّرِيقُ الَّذِي نَسْلُكُهُ إلى الْجَنَّةِ؟ أمْ سَيُبْعِدُنا عَنِ الْجَنَّةِ؟ هل نَقُومُ بِبِنَاءِ جِسْرٍ يَذْهَبُ بِنَا إلى الْجَنَّةِ مِنْ خِلالِ حَياتِنا؟ أمْ أنَّنا نَبْنِي جُدْرانًا بَيْنَناَ وبَيْنَ الجَنَّةِ؟ هل تُعْتَبَرُ تَصَرُّفاتُنا وأقْوالُنا مِثالِيَّةً؟ أمْ نَجْعَلُ أعْمَالَنَا هَبَاءً مَنْثُورًا بِالرِّياءِ؟
أيُّها المُؤمِنُونَ الأعزاء!
أَخْتِمُ خُطْبَتِي هَذِه بِحَديثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " إضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ. اُصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ" 3.
1 مسلم، فضائل الصحابة، 12
2 البيّنة، 98/7-8
3 ابن حنبل 5، 323
المديرية العامة للخدمات الدينية
