إخْوَانِيَ الْأعِزَّاء!
قاَلَ اللَّهُ تَعَالَى فيِ كِتَابِهِ الْكَرِيمِ " يَٓا اَيُّهَا الَّذ۪ينَ اٰمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبٰٓوا اَضْعَافاً مُضَاعَفَةًۖ وَاتَّقُوا اللّٰهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَۚ " 1.
وَقَالَ رَسُولُ اللّٰهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه ِوَسَلَّمَ فيِ حَدِيثِه ِ" مَا أَحَدٌ أَكثرَ منَ الرِّبا إلَّا كانَتْ عاقبةُ أمرِهِ إلَى قِلَّةٍ " 2.
إِخْوَانِي!
اَللَّهُ تَعَالَى هُوَ صَاحِبُ جَميِعِ الِّنعَمِ الَّتِي نَسْتَفِيدُ مِنْهَا وَهُوَ مَالِكُ الأْرْضِ وَالسَّمَوَاتِ. أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا نَحْنُ عَبَادُهُ مِنْ مُلْكِهِ وَسَخَّرَ لَنَا النَّعَمَ الَّتِي لَا تُحْصَى لِلْاِسْتِفَادَةِ مِنْهَا. لَكِنْ خِلَالَ الْاِسْتِفَادَةِ مِنْ هَذِهِ النَّعَمِ حَرَّمَ عَلَيْنَا بَعْضَ سُبُلِ الرِّبْحِ الَّتِي تُعَكِّرُ عَلَيْنَا حَيَاتَنَا فِي الدُّنْيَا وَتَسوُقُنَا إِلَى الْعَذَابِ فِي الَآِخرَةِ. مِنْ أَحَدِ هَذِه ِالسُّبُلِ هُوَ الرِّبَا، اَلرِّبْحُ دُونَ وَجْهِ حَقٍّ، دُونَ السّعْيِ وَالتَّعْبِ، اَلرِّبْحُ دُونَ أَىِّ جُهْدٍ. اَلرِّبَا هِيَ الْإضَافَاتُ الَّتِي قَامَ الْإنْسَانُ عَلىَ أَمْلَاكِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ حَقٍ.
تساهم الرِّبَا فِي دَحْضِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه ِ وَسَلَّمَ "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" 3 وَمَا سَعَى لِجَلْبِه ِمِنْ عَدَالَةِ وَشَفْقَةٍ وَتَعَاوُنٍ وَمُسَاعَدَة ٍوَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنَ الْقَيِّمِ. اَلرِّبَا هِيَ غَضُّ النَّظَرِ عَنْ عَرَقِ الْجَبِينِ الْمُقَدَّسِ. اَلرِّبَا هِيَ تِلْكَ الْخَطِيئَةُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي حِسَابُهَا عَسِيرٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
إِخْوَانِي!
اَلرِّبَا مُحَرَّمَة،ٌ لِأنْ تَتَعَارَضَ مَعَ مَبْدَأِ "الْحَقِّ" الَّذِي يَتَّخِذُ مَكَانَتَهُ فِي أَسَاسِيَّاتِ الْقَانُونِ وَالأخْلَاِق فِي الإسْلَامِ. اَلرِّبَا هِيَ تِلْكَ الْخَطِيئَةُ الَّتِي تَتَجَاوَزُ حَقَّ الْعَبْدِ وَتَفْتَح ُ لِلإنْسَانِ الطَّرِيقَ السَّهْلَ لِلْخِيَانَةِ. يَعْتَقِدُ الإنْسَانُ أَنَّهُ يَكْسِبُ وَيَزِيدُ مِنْ كَسْبِهِ لَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَخْسِرُ وَيَنْجَرِفُ الْمُجْتَمَعَ الَّذِي فَقِدَ ثِقَتَهُ بِبَعْضِهِ الْبَعْضَ نَحْوَ التَّهْلُكَةِ. لا تَقْتَصِرُ الرِّبَا عَلَى الإذْهَابِ بِبَرَكَةِ الْمَالِ فحسب بَلْ تَذْهَبُ بَرَكَة َالْحَيَاةِ أَيْضًا. مَا أَكْثَرَ مِنْ حَالاتِ الإفْلاسِ وَالْانْتِحَارِ وَالْعَائِلاتِ الْمُشَتِّتَةِ وَالْعُمُرِ الذي أَفْنَتْه ُالرَّبَا. أَبْلَغَنَا اللُّه تَعَالَى عَنْ نِهَايَةِ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِلرِّبْحِ السَّرِيعِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ حَقٍ وَكيْفٍ أَنَّهَا أَصْبَحَتْ عِبْرَةً لِلآخَرِينَ ".اَلَّذ۪ينَ يَأْكُلُونَ الرِّبٰوا لَا يَقُومُونَ اِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذ۪ي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّۜ ذٰلِكَ بِاَنَّهُمْ قَالُٓوا اِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰواۢ وَاَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبٰواۜ..."
أَعِزَّائِيَ الْمُؤْمِنِينَ!
لَا شَكَّ أنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ مِثْلَ الرَّبَا! لِأنَّ لِلْبَيْعِ وَالشَّرَاءِ تَعَبٌ وَمَجْهُودٌ وَسَعْيٌ. وَهُنَاكَ سَعْيٌ لِكَسْبِ نَفَقَةِ الْحَيَاةِ وَإدَامَتِهَا بِالطَّرِيقَةِ الْحَلَالِ. أَمَّا الرِّبَا فَتَسُوقُ الْإنْسَانَ لِلسَّعْيِ لِلرِّبْحِ دُونَ أيِّ مَجْهُودٍ مِنْ خَلَالِ الطَّرِيقِ السَّهْلِ وتَعُودُهُ عَلَى الْكَسْلِ وَعَدَمِ الْإحْسَاسِ. وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذاَ الْمَوْضُوعِ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ "يَمْحَقُ اللّٰهُ الرِّبٰوا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِۜ وَاللّٰهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ اَث۪يمٍ " 5. اِعْتَبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلىَّ للهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَلرِّبَا مِنَ الْأشْيَاءِ الَّتِي تُسَبِّبُ الْهَلاَكَ 6 وَالَّتِي يَتَوَجَّبُ الْهَرَبُ مِنْهَا وَقَدْ مَنَعَ الْجَمِيعَ بِمَا فِي ذَلِكَ أقْرَبَ أقَارِبِهِ مِنْ التَّعَامُلِ بِالرِّبَا وَقَدْ قَدَّمَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ إلَى الْمُجْتَمَعِ قَائِلًا " أَلاَ كُلُّ شَىْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَىَّ مَوْضُوعٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ " 7.
إِخْوَانِي!
يَقُومُ الْغَنِيُّ بِزِيَادَةِ أمْوَالِهِ عَنْ طَرِيقِ الرِّبَا أمَّا الضَّعِيفُ وَالْمُحْتَاجُ فَمَعَ مُرُورِ الْأيَّامِ يَزِيدُ ثِقَلَهُ عَلَى ظَهْرِ. تساهم الأموال والأملاك بِزِيَادَةِ الْأنَانِيَةِ لَدَى الْإنْسَانِ وَعَلَى الرَّغْمِ مِنَ الْمَظْهَرِ الَّذِي يُشِيرُ إلَى زِيَادَةِ الْغِنَاءِ لَدَيْهِمْ إلَّا أنَّهُمْ فِي الْوَاقِعِ يَتَخَبَّطُونَ فِي قَاعِ الْفَقْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْأخْلَاقِ وَفُقْدَانِ الْقِيْمَةِ تِجَاهَ اللهِ تَعَالَى. وَتَتَّجِهُ الدُّنْيَا وَالْحَيَاةُ الْآخِرَةُ نَحْوَ الْمَخَاطِرِ بِسَبَبِ الْمَنَافِعِ الْصَّغِيرَةِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
أيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!
هَذِهِ الْحَيَاةُ فَانِيَةُ وَهِيَ مَكَانٌ بِمَثَابَةِ مَكَانِ امْتِحَانٍ. اَلْآخِرَةُ هِيَ الدَّارُ الْأبَدِيَّةُ. وَعِنْدَمَا نَقِفُ فِي يَوْمِ الْحِسَابِ فَلَا شَكٌّ سَنُسْألُ عَنْ " مَالِناَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْنَاهُ وَفِيمَ أَنْفَقْنَاهُ " 8. دَعَوْنَا نَتَجَنَّبُ كُلَّ أنْوَاعِ الرِّبْحِ الْحَرَامِ بِمَا فِي ذَلِكَ الرِّبَا. دَعَوْنَا نَتَخَلَّى عَنْ فِي ذَلِكَ التِّجَارَةِ الصَّغِيرَةِ مِنْهَا وَالْكَبِيرَةِ. دَعَوْنَا نَمْنَعُ الْفَائِدَةَ مِنَ الْقَضَاءِ عَلَى أجْيَالِنَا وَمُجْتَمَعَاتِنَا وَمُسْتَقْبَلِنَا. وَلْنُحَافِظْ عَلَى أخْلَاقِنَا فِي جَمِيعِ الْمَجَالَّاتِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي مَجَالِ التِّجَارَةِ. وَلْنَحْمِ عَائِلاَتِنَا مِنَ الرِّبْحِ الْحَرَامِ. دَعَوْنَا نَضَعُ نَصْبَ أعْيُنِنَا أنَّ الْفَائِدَةَ تَذْهَبُ بِالْإنْسَانِ إلَى عَذَابِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَتَسُوقُهُ إلَى الْخَسَارَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
1 آل عمران، 3/130
2 ابن ماجه، التجارة، 58
3 مسلم، الإيمان، 164
4 البقرة، 2/275
5 البقرة، 2/276
6 البخاري، الوصاية، 23
7 مسلم، الحج، 23
8 الترمذي، صفات القيامة، 1
المديرية العامة للخدمات الدينية