طَرِيقُ الْعِلْمِ هُوَ طَرِيقُ الْجَنَّةِ


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!

إِنَّ الْآيَاتِ الْخَمْسَ الْأُولَى مِنْ سُورَةِ الْعَلَقِ الَّتِي قَرَأْتُهَا فِي بِدَايَةِ خُطْبَتِي هِيَ أَوَّلُ أيَآتِ الْقُرْآنِ الَّتِي اِلْتَقَتْ بِالْبَشَرِيَّةِ. وَقَالَ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ: "اِقۡرَأۡ بِاسۡمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الۡإِنسٰانَ مِنۡ عَلَقٍ . اِقۡرَأۡ وَرَبُّكَ الۡأَكۡرَمُ . اَلَّذِي عَلَّمَ بِالۡقَلَمِ . عَلَّمَ ٱلۡإِنسٰانَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ"[1]. وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي قَرَأْتُهُ يَقُولُ نَبِيُّنَا الْحَبِيبُ (ص): " إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا"[2].

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكِرَامُ!

وِفْقًا لِدِينِنَا الْأَسْمَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. اَلْعِلْمُ هُوَ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ هُوَ مَعْرِفَةُ أَنْفُسِنَا وَرَبِّنَا وَمُحِيطِنَا. وَإِدْرَاكُ الْغَايَةِ مِنَ الْخَلْقِ. وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ لِلْوُجُودِ وَالْكَوْنِ كُلِّهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!

مَا يَجْعَلُ الْمَعْرِفَةَ ذَاتَ قِيمَةٍ هُوَ أَنَّهَا لِصَالِحِ الْبَشَرِيَّةِ.  ومِمَّا يَجْعَلُ العِلْمَ ذَا قِيْمَةٍ أَنَّهُ يُوصِلُ صصَاحِبَهُ إِلَى رِضَااللَّهِ. وَهُوَ قِيَادَةُ الْمُجْتَمَعِ إِلَى الْعَدَالَةِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْخَيْرِ. وَالِابْتِعَادُ عَنِ الظُّلْمِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الشَّرِّ. إِنَّ الْمَعْلُومَاتِ الَّتِي تُسَبِّبُ حَيْرَةَ الْعُقُولِ وَإِفْسَادَ الْأَجْيَالِ وَتَدْمِيرَ الْمُجْتَمَعَاتِ وَتَدْمِيرَ عَالَمِنَا لَا قِيمَةَ لَهَا وَمُضِرَّةٌ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!

اَلْجَهْلُ هُوَ أَكْبَرُ عَدُوٍّ لِلْإِسْلَامِ. وَهوَ مَصْدَرُ كُلِّ شَرٍّ. فَالْجَهْلُ يَجْعَلُ الْإِنْسَانَ عَدِيمَ الْقِيمَةِ فِي نَظَرِ اللَّهِ وَفِي نَظَرِ النَّاسِ. فَالْقِرَاءَةُ، وَالتَّزَوُّدُ بِالْعِلْمِ الْمُفِيدِ، وَاسْتِخْدَامُ الْعِلْمِ لِصَالِحِ الْبَشَرِيَّةِ يُمَجِّدُ الْإِنْسَانِ. فَيَقُولُ رَبُّنَا الْعَظِيمُ: " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذ۪ينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذ۪ينَ لَا يَعْلَمُونَۜ "[3]. وَفِي آيَةٍ أُخْرَى يُمْدَحُ الْعُلَمَاءُ الْحَقِيقِيُّونَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"[4].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!

طَرِيقُ الْعِلْمِ هُوَ طَرِيقُ الْجَنَّةِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقاً إلى الجَنَّةِ"[5]. فَإِذَا اِعْتَنَقْنَا الْعِلْمَ بِهَذَا الْوَعْيِ فِي يَوْمِناهَذَا ، كَمَا كُنَّا فِي الْمَاضِي، وَإِذَا اِسْتَخْدَمْنَا الفُرَصَ الَّتي يُتِيحُهَا اَلْعِلْمُ وَالتِّكْنُولُوجْيَا بِشَكْلٍ صَحِيحٍ، فَسَوْفَ نَتَمَكَّنُ مِنْ إِعَادَةِ تَوْجِيهِ الْبَشَرِيَّةِ. فَإِذَا عَكَسْنَا قُوَّةَ الْقَلَمِ وَالْكَلِمَةِ فِي حَيَاتِنَا، يُمْكِنُنَا إِعَادَةُ الْعَدَالَةِ وَالْخَيْرِ إِلَى الْعَالَمِ بِأَسْرِهِ. وَإِذَا جَعَلْنَا الْعِلْمَ وَالْمَعْرِفَةَ مُرْشِدَينَ لَنَا، فَيُمْكِنُنَا أَنْ نَكُونَ أَمَلاً مَرَّةً أُخْرَى فِي الْعَالَمِ الْيَوْمِ، حَيْثُ تَتَآكَلُ وَتَتَأَجَّلُ الْقِيَمُ الْإِلَهِيَّةُ وَالْإِنْسَانِيَّةُ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِذَا ابْتَعَدْنَا عَنِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَإِذَا اسْتَخْدَمْنَا الْعِلْمَ وَالتِّكْنُولُوجْيَا بِمَا يَتَعَارَضُ مَعَ غَرَضِهِمَا، فَسَوْفَ نَنْجَرُّ إِلَى كَارِثَةٍ. وَلَا يُمْكِنُ لِلْبَشَرِيَّةِ أَنْ تُفْلِتَ مِنْ ظَلَامِ الْقَهْرِ وَالظُّلْمِ وَدَوَّامَةِ الْعُنْفِ وَالْقَلَقِ الَّتِي سَقَطَتْ فِيهَا الْيَوْمَ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!

يَبْدَأَ الْعَامُ الدِّرَاسِيُّ الْجَدِيدُ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ الْمُقْبِلِ. وَسَيَلْتَقِي الْمَلَايِينُ مِنْ أَطْفَالِنَا بِمَدَارِسِنَا الَّتِي هِيَ أَعْشَاشُ الْمَعْرِفَةِ وَالْحِكْمَةِ. وَمِنْ وَاجِبِنَا الْمُشْتَرَكِ جَمِيعًا أَنْ نُرَبِّيَ ذُرِّيَّتَنَا كَأَجْيَالٍ مُخْلِصَةٍ لِلْقِيَمِ الْوَطَنِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ، وَتَعُودُ بِالنَّفْعِ عَلَى أُمَّتِهَا وَإِنْسَانِيَّتِهَا. فَلْنُرَبِّي أَبْنَاءَنَا الْمُسْتَنِيرِينَ بِأُفُقِ الْمَعْرِفَةِ الَّذِي يَأْمُرُ بِهِ الْإِسْلَامُ، كَمُؤْمِنِينَ تَتَوَازَنُ عُقُولَهُمْ وَمَشَاعِرَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ مَعَ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ. وَلْتَكُنْ طَرِيقَتُنَا الرَّئِيسِيَّةُ فِي تَعْلِيمِ أَطْفَالِنَا هِيَ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ: "اُدْعُ اِلٰى سَب۪يلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"[6]. وَلْتَكُنْ هَدَفُنَا الْأَسَاسِيُّ هُوَ " إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ"[7]. فَلْنُرَبِّي أَطْفَالنَا عَلَى أَخْلَاقِ نَبِيِّنَا الْحَبِيبِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ أَدْعُو اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَجْلِبَ الْعَامَ الدِّرَاسِيَّ الْجَدِيدَ اَلْخَيْرَ لِطُلَّابِنَا وَمُعَلِّمِينَا وَعَائِلَاتِنَا وَأُمَّتِنَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!

وَفِي خِتَامِ خُطْبَتِي، أَوَدُّ أَنْ أُشَارِكَكُمْ نُقْطَةً أُخْرَى. تَبْدَأُ دَوْرَاتُنَا اَلْقُرْآنِيَّةُ لِلْأَطْفَالِ الَّذِينَ تَتَرَاوَحُ أَعْمَارَهُمْ بَيْنَ 4 - 6 سَنَوَاتِ التَّابِعَةَ لِرِئَاسَةِ الشُّؤُونِ الدِّينِيَّةِ لَدَيْنَا يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ الْمُقْبِلِ. وَفِي  18مِنْ أَيْلُولَ، سَيَتِمُّ فَتْحُ جَمِيعِ دَوْرَاتِ الْقُرْآنِ لَدَيْنَا وَالتَّسْجِيلُ مُسْتَمِرٌّ. بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، سَيَتِمُّ تَنْظِيمُ دَوْرَاتٍ تَدْرِيبِيَّةٍ عَبْرَ الْإِنْتَرْنِت لِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْحُضُورَ إِلَى دَوْرَاتِنَا. وَنُرَحِّبُ بِأَطْفَالِنَا وَشَبَابِنَا وَرِجَالِنَا وَنِسَائِنَا مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَارِ فِي دَوْرَاتِ الْقُرْآنِ حَيْثُ يَتِمُّ تَعْلِيمُ  الْمَعْرِفَةِ الدِّينِيَّةِ الصَّحِيحَةِ.

أُنْهِي خُطْبَتِي بِحَدِيثِ نَبِيِّنَا ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) :" كُنْ عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً أَوْ مُسْتَمِعاً أَوْ مُحِبّاً لَهُمْ وَ لاَ تَكُنِ اَلْخَامِسَ فَتَهْلِكَ"[8].


________________________________

[1] سُورَةُ الْعَلَقِ ، 96 / 1 - 5.

[2] اَلدَّارِمِي ، كِتَابُ الْمُقَدِّمَةِ، 32.

[3] سُورَة الزُّمَرِ ، 39 / 9.

[4] سُورَة فَاطِر، 35 / 28.

[5] اَلتِّرْمِذِي ، كِتَابُ الْعِلْمِ ، 19.

[6] سُورَة النَّحْلِ ، 16 / 125.

[7] اِبْنُ حَنْبَلٍ ، اَلْجُزْءُ الثَّانِي، 381.

[8] اَلدَّارِمِي ، كِتَابُ الْمُقَدِّمَةِ، 26.  

                                                                       اَلْمُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّةِ      

إرسال تعليق

أحدث أقدم