شهر رمضان شهر الصوم والقرآن



شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ الصَّوْمِ وَالْقُرْآنِ

أَعِزَّائِي الْمُؤْمِنِينَ!

كَانَ قَدْ مَضَى عَلَى هِجْرَةِ الرَّسولِ الْكَريمِ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ شَهْرًا فَقَطْ، كَانَ الْوَقْتُ حِينَهَا فِي الْأَيَّامِ الْآخِيرَةِ مِنْ شَهْرِ شَعَبانَ عِنْدَمَا نَزَلَتِ الْآِياتِ الْكَرِيمَةِ مِنْ سُورَةِ الْبِقَرَةِ الَّتِي جُعِلَتْ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَرْضاً.

" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِٓي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْاٰنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدٰى وَالْفُرْقَانِۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ…" 1.

صَعِدَ النّبِيُّ الْكَريمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْبَرَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَخَطَبَ بِالنَّاسِ قَائِلًا: " أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ"

أيُّها المُؤمِنُونُ الأعِزَّاءُ!

لَشَهْرُ رَمَضَانَ الْكَريمِ سُلْطَانُ الْأشْهُرِ مَكانَتُه الْخاصَّةُ فِي حَياتِنا. لِأنَّ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الصَّوْمِ وَالْقُرْاٰنُ. رَمَضَانُ شَهْرُ الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَالتَّوْبَةِ وَالتَّفَكُّرُ. فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ الْعِبادَةِ وَشَهْرُ الْبَرَكَةِ وَالْمَغْفِرَةِ. رَمَضَانُ شَهْرُ الطَّاعَةِ وَالْحَسَناتِ. وَكَمَا أَبْلَغَنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنادِي الْمَلائِكَةُ عِنْدَ اللَّيْلَةِ الْأولَى مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ " يَا بَاغِىَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِىَ الشَّرِّ أَقْصِرْ " 3.

إِخْوانِي!

تَتَمَثَلُ مَعانِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْكَريمِ بِالصِّيامِ. وَصَيامُنا هُوَ التَّدْرِيبُ قَبْلَ شَيْءٍ عَلَى  الصَّبْرِ وَالْإرَادَةِ وَالرَّحْمَةِ. إنَّهُ الدِّرْعُ الَّذِي يَقِينَا مِنَ الشَّهْوَةِ وَالْهَوَسِ وَالرَّغَبَاتِ غَيْرِ الْمَشْروعَةِ. وَنَرى  فِي  الْآيَةِ الْكَريمَةِ " يَٓا اَيُّهَا الَّذ۪ينَ اٰمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذ۪ينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَۙ" 4 أَنَّ الْغَايَةَ مِنَ الصِّيامِ هُوَ الْحِمايَةُ وَالْوِقايَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَعاصِي. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ‏ " 5.

أيُّها المُؤمِنُونُ الْمُحْتَرَمُونَ!

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ. اَلْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ، كِتابُ اللَّهِ. وَهُوَ  "اَحْسَنَ الْحَد۪يثِ" 6. وَقَدْ وَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِلاً "إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ" 7. اَلْقُرْآنُ الْكَريمُ هُوَ الدَّلِيلُ الَّذِي سَيُرْشِدُ الْإنْسانِيَّةَ  فِي  جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعالَمِ إِلَى الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ لِغايَةِ يَوْمِ الْقِيامَةِ. اَلْقُرْآنُ هُوَ عِلَاجُ الرُّوحِ، وَرَحْمَةُ الْقُلوبِ. يُساعِدُنا الْقُرْآنُ بِإِدْرَاكِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُعَلِّمُنَا مَسْئولِيَّاتِنا وَيُذْكِرُنا بِالْآخِرَةِ. وَيُعَلِّمُنَا أَيْضاً مَعْنَى أسْرارِ مَفْهومِ الْإنْسانِيَّةِ وَالْعَيْشِ وَفْقَ مَبادِئِ الْإنْسانِيَّةِ.

إِخْوَانِي الْمُسْلِمِينَ!

رَمَضَانُ شَهْرُ الْأخُوَّةِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّبَادُلِ. عِنْدَ الْاِبْتِعَادِ بِشَكْلٍ مُؤَقَّتٍ عَنِ الطَّعامِ وَالشَّرابِ حِينَها نَعْلَمُ مَا هُوَ حَالُ الْفَقير وَ نَعْلَمُ قِيْمَةَ النِّعَمِ وَنَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى الرَّزَّاقَ عَلَى  مَا رَزَقَنَا وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا.

شَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ فُرْصَةُ الْاِبْتِعَادِ عَنِ الْعادَاتِ السَّيِّئَةِ وَفَتْحِ صَفَحَاتٍ جَديدَةٍ عَلَى  الْخَيْرِ. نَقومُ  فِي  شَهْرِ رَمَضَانَ بِالتَّسابُقِ عَلَى  فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْاِسْتِثْمارِ  فِي  الْخَيْرِ وَ الْاِبْتِعَادِ  عَنِ الْألْفاظِ وَالْأعْمالِ السَّيِّئَةِ. وَنَشْعُرُ  فِي  هَذا الشَّهْرِ الْفَضيلِ بِأوَاصِرِ الْاِتَّحَادِ وَالْأخُوَّةِ. كَما نَقْوِى رَوَابِطَ الْحُبِّ وَالْاِحْتِرامِ بَيْنَنا.  فِي  هذا الشَهْرِ تَكونُ الْعِباداتُ وَالْخَيْراتُ وَالطَّاعاتُ وَالثَّوَابُ وَالْمُكافَآتُ أَكْثَرَ مِنْهَا  فِي  الْأشْهُرِ الْأخْرَى.

إخْوَانِي الْأعِزَّاءُ!

دَعُونَا نَجْمَعُ أَلْسِنَتَنا وَقُلوبَنا وَعَالَمَ التَّفَكُّرِ وَجَميعَ مَا  فِي  حَياتِنا عَلَى  الْخَيْرِ الَّذي أَتَى بِهِ الصَّوْمُ وَشَهْرُ رَمَضَانَ الْكَرِيمِ. لِنَقْرَأَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمِ وَنُحاوِلَ أَنْ نَتَفَهَّمَهُ أَكْثَرَ مِنَ الْأوْقاتِ الْأخْرَى. لِنُصَلِّحْ أفْئِدَتَنا وَأَذْهانِنا بِنورِ الْقُرْآنِ. لِنَصُمْ وَنَحْنُ شَاعِرِينَ بِذَلِكَ. لِيَكُنْ صِيامَنا شَامِلًا لِسانِنا وَيَدِنا وَعَيْنِنا وَقَلْبِنا وَجَميعِ أعْضائِنا لِنَبْتَعِدْ عَنِ الشَّرِّ وَلَا يَقْتَصِرْ صِيامُنا عَلَى  الْمَعِدَةِ فَقَطْ.

إخْوَانِي!

يَقومُ وَقْفُ الدِّيانَةِ التُرْكِيَّةِ بِأعْمالٍ مُهِمَّةٍ لِلْغايَةِ يَأْتِي عَلَى  رَأْسِ قَائِمَةِ هَذِهِ الْأعْمَالِ الْخَدَماتُ التَّعْليمِيَّةِ. يِسْعَى الْوَقْفُ مِنْ خِلالِ فَعالِيَّاتِهِ التَّعْليمِيَّةِ الَّتِي يَقومُ بِها دَاخِلَ وَخَارِج تُرْكِيا لِتَحْضيرِ أجْيالٍ تُدْرِكُ الْمَعْنَى الصَّحِيحَ لِلْإسْلامِ. وَخَاصَّةً مَعاهِدُ تَحْفيظُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ حَيْثُ يَتِمُّ  فِي  هَذِهِ الْمَعَاهِدِ تَأْمِينُ الدَّعْمِ التَّعْليمِي وَالْمَادِّي لِآلَافِ الطُّلَّابِ الْقادِمينَ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ 111 دَوْلَةً ضِمْنَ بَرْنامِجِ الْأئِمَّةُ وَالْخُطَباءِ وَالْإلَهِيَّاتِ الدُّوَلِيَّةِ. وَسَيَتِمُّ الْاِسْتِعانَةُ بِمُسَاعَدَاتِكُمُ الْخَيِّرَةِ  فِي  الْجَوَامِعِ مِنْ أَجْلِ فَعالِيَّاتِ التَّعْليمِ الَّتِي تَقومُ بِها وَقْفُ الدِّيانَةِ التُرْكِيَّةِ. كَمَا يُمْكِنُكُمْ اِسْتِغْلالُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الزَّكاةِ وَالْفِطْرَةِ.

تَقَبَّل اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ حَسَنَاتِ أَعْمَالِنَا.

أَخْتِمُ خُطْبَتِي هَذِهِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " 8.

 

1 البقرة، 2/185

2 النسائي، الصيام، 5

3 الترمزي، الصوم، 1، ابن ماجه، الصيام، 2

4 البقرة، 2/183

5 البخاري، الصوم 9، مسلم، الصيام 29

6 زمر، 39/23

7 النسائي، 22

8 البخاري، الإيمان، 27

المديرية العامة للخدمات الدينية


إرسال تعليق

أحدث أقدم