لَيْلَةُ البَرَاءَةِ, لَيْلَةُ تَطْهِيرِ الذُّنُوبِ


لَيْلَةُ البَرَاءَةِ: لَيْلَةُ تَطْهِيرِ الذُّنُوبِ

           أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!

           سَنُدْرِكُ مَسَاءَ الغَدِ بِلَيْلَةِ الْبَرَاءَةِ المُبَارَكَةِ وَهِيَ بُشْرَى بِقُدُومِ رَمَضَانَ. وَنَحْمَدُ اللَّهَ وَنُثْنِي عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ الحَمْدُ مُنْتَهَاهُ أَنْ أَوْصَلَنَا إِلَى هَذِهِ اللَّيْلَةِ المُقَدَّسَةِ. وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى. وَلَيْلَةُ بَرَاءَةٍ مُبَارَكَة مُقَدَّمًا.

            أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!

            لَيْلَةُ البَرَاءَةِ تَعْنِي تَقْيِيمَ حَيَاتِنَا؛ إِنَّهَا تُذَكِّرُنَا بِالِابْتِعَادِ عَنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ الَّتِي لَا تَتَمَاشَى مَعَ الهَدَفِ مِنْ خَلْقِنَا. وَيُعَلِّمُنَا الِابْتِعَادَ عَنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الغَضَبِ وَالأَحْقَادِ وَالكَرَاهِيَةِ وَالحَسَدِ الَّتِي تَضُرُّ بِأُخْوَّتِنَا بِوَحْدَتِنَا وَتَضَامُنِنَا. وَتُخْبِرُنَا أَنَّ اللَّذِينَ يَسْتُرُونَ أَخْطَاءَ النَّاسِ وَعُيُوبَهَمْ سَيَنَالُونَ بَرَكَاتٍ مِنَ اللَّهِ لَا حَصْرَ لَهَا كَمَا تَنُصُّ الآيَةُ الكَرِيمَةُ:" فَمَنْ عَفَا وَاَصْلَحَ فَاَجْرُهُ عَلَى اللّٰهِۜ"[1].

          أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!

          لَيْلَةُ البَرَاءَةِ هِيَ لَيْلَةُ التَّوْبَةِ وَالمَغْفِرَةِ، وَالتَّوْبَةُ تَعْنِي عَدَمَ الإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ: وَهُوَ أَنْ نَشْعُرَ بِالنَّدَمِ عَلَى أَخْطَائِنَا وَعُيُوبِنَا وَأَنْ نَلْجَأَ إِلَى التَّوْبَةِ وَالمَغْفِرَةِ مِنْ رَبِّنَا التَّوَّابِ. حَيْثُ يَقُولُ فِي الْآيَةِ الكَرِيمَةِ: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓا إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّاتٍ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهٰرُ...."[2]. فَلْنَغْتَنِمْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ المُقَدَّسَةَ كَفُرْصَةٍ لِفَتْحِ صَفَحَاتٍ جَدِيدَةٍ وَنَظِيفَةٍ فِي حَيَاتِنَا. فَلْنَبْتَعِدْ عَنِ الحَرَامِ وَعَنْ أَكْلِ حُقُوقِ النَّاسِ وَالعَامَّةِ الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ عَائِقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَبِّنَا. مَهْمَا كَانَ حَجْمُ خَطَايَانَا دَعُونَا لَا نَفْقِدُ الأَمَلَ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ. وَلَا نَنْسَى الحَدِيثَ التَّالِي عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أللَّهُ أشَدُّ فَرَحًا بتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا."[3] .

            أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكِرَامُ!

            لَيْلَةُ البَرَاءَةِ هِيَ أَيْضًا لَيْلَةُ الدُّعَاءِ، وَهِيَ جَوْهَرُ العُبُودِيَّةِ وَالعِبَادَةِ. الدُّعَاءُ نِعْمَةٌ فَرِيدَةٌ تَمْنَحُنَا القُوَّةَ لِمُقَاوَمَةِ صُعُوبَاتِ الحَيَاةِ المُخْتَلِفَةِ. الدُّعَاءُ هُوَ أَنْ يَعْرِضَ العَبْدُ حَالَهُ عَلَى رَبِّهِ وَيَقْبَلَ عَجْزَه وَيَلْجَأَ إِلَى فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ. وَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ : "اُدْعُون۪ٓي اَسْتَجِبْ لَكُمْۜ"[4] . وَيُخْبِرُنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ عِبَادَهُ فِي لَيْلَةِ البَرَاءَةِ قَائِلاً : "مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيهِ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرُ لَهُ ؟"[5] . لِذَلِكَ دَعُونَا نَدْعُوا وَنَبْتَهِلُ إِلَى رَبِّنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ المُقَدَّسَةِ بِإِخْلَاصٍ. رَاجِينَ الأَجْرَ مِنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَدْعُوا اللَّهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَى آبَائِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَأَطْفَالِنَا وَأَقَارِبِنَا وَجِيرَانِنَا وَأَصْدِقَائِنَا بِالصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ. دَعُونَا نَدْعُوا مِنْ أَجْلِ بَقَاءِ دَوْلَتِنَا، وَسَلَامِ أُمَّتِنَا، وَوَحْدَةِ وَتَضَامُنِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وَلَا نَنْسَى الدُّعَاءَ لِإِخْوَانِنَا وَأَخَوَاتِنَا اللَّذِينَ يَئِنُّونَ تَحْتَ ظُلْمِ الظَّالِمِينَ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ العَالَمِ وَخَاصَّةً فِي غَزَّةَ وَتُرْكِسْتَانَ الشَّرْقِيَّةِ.

           أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!

            لِكَيْ نَكُونَ مِنَ اللَّذِينَ يَنَالُونَ البَرَاءَةَ يَجِبُ أَنْ نَجْتَهِدَ لِنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ اللَّذِينَ ذُكِرُوا فِي القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. فَلْنُطِيعُ أَوَامِرَ رَبِّنَا وَنَتَجَنَّبُ نَوَاهِيَهُ بِكُلِّ مَا أُوتِينَا مِنْ قُوَّةٍ. فَلْنَبْتَعِدْ عَنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الشَّرِّ وَالظُّلْمِ. وَلْنَجْبُرْ القُلُوبَ المُنْكَسِرَةَ، وَنُنْهِي الخِصَامَ وَالضَّغِينَةَ، وَنُسَامِحَ مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا. فَلْنَسْتَمِرَّ فِي مَدِّ يَدِ العَوْنِ لِلْمَظْلُومِينَ وَالمُشَرَّدِينَ، وَمُسَانَدَتِهِمْ فِي قَضَايَاهُمْ الَّتِي عَلَى حَقٍّ، وَمُوَاصَلَةِ المُقَاطَعَةِ ضِدَّ الظَّالِمِينَ وَأَعْوَانِهِمْ.

            وَبِهَذِهِ المُنَاسَبَةِ نَتَمَنَّى مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ البَرَاءَةِ لَيْلَةَ خَيرٍ لِأُمَّتِنَا الحَبِيبَةِ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ(ص) وَالبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ. وَأَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُحَقِّقَ النَّصْرَ لِكُلِّ المَظْلُومِينَ، وَخَاصَّةً غَزَّةَ وَتُرْكِسْتَانَ الشَّرْقِيَّةَ.



[1] سُورَة الشُّورَى ، 42 / 40.

[2] سُورَة التَّحْرِيمِ ، 66 / 8.

[3] مُسْلِمٌ ، كِتَابُ التَّوْبَةِ ، 2.

[4] سُورَة الْمُؤْمِنِ ، 40 / 60.

[5] اِبْنُ مَاجَه، كِتَابُ إِقَامَة، 191.

                                                        المُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّة  

إرسال تعليق

أحدث أقدم