اَلْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ التَّكَاتُفِ الْوَطَنِيِّ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
كَأُمَّةٍ لَقَدْ هَزَّتْنَا الزَّلَازِلَ الْعَظِيمَةَ جِدًّا اَلَّتِي مَزَّقَتْ أَكْبَادَنَا جَمِيعًا. فَلَمْ تَحْرِقِ النَّارُ الْمَكَانَ الَّذِي سَقَطَتْ فِيهِ فَحَسْبُ، بَلْ أَحْرَقَتْ قُلُوبَنَا جَمِيعًا. وَلَقَدْ اِنْتَظَرْنَا فَوْقَ الرُّكَامِ وَالدُّعَاءُ بِأَلْسِنَتِنَا وَالْأَمَلُ فِي قُلُوبِنَا. وَلَقَدْ تَآزَرْنا مَعًا لِإِنْقَاذِ حَيَاتِنَا وَمَدِّ يَدِ الْعَوْنِ لِبَعْضِنَا الْبَعْضِ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
يَصِفُنَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِمَا يَلِي: " مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى"[1].
يَا إِخْوَتِي الْمُؤْمِنِينَ! اَلْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ التَّكَاتُفِ. اَلْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ التَّعَاوُنِ وَالتَّضَامُنِ. إِنَّهُ يَوْمُ الاِلْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالتَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ، طَلَبًا لِرَحْمَتِهِ وَعَوْنِهِ الْعَظِيمِ. لِذَلِكَ، كَمَا فِي الْمَاضِي، دَعُونَا نَعْمَلُ الْيَوْمَ بِوَعْيِ الْوَحْدَةِ وَالتَّضَامُنِ وَالْأُخُوَّةِ كَشَرْطٍ لِإِيمَانِنَا. فَلْنَكُنْ أَمَلَ بَعْضِنَا الْبَعْضِ، وَفَرْحَةَ الْحَيَاةِ لِبَعْضِنَا الْبَعْضِ . لِنَلْمِسْ قُلُوبَ كُلٍّ مِنْ إِخْوَتِنَا وَأَخَوَاتِنَا الْمُتَضَرِّرِينَ مِنَ الزِّلْزَالِ وَنَمْسَحُ دُمُوعَهُمْ. دَعُونَا نُقَلِّلُ مِنْ أَحْزَانِنَا بِالْمُشَارَكَةِ. وَلْنَقِفْ إِلَى جَانِبِ إِخْوَتِنَا وَأَخَوَاتِنَا بِكُلِّ وَسَائِلِنَا الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ . لِتَكُنْ قُلُوبُنَا كَمَوْقِدٍ لِلتَّدْفِئَةِ فِي لَيَالِي الشِّتَاءِ الْبَارِدَةِ، وَمَأْوىً حَيْثُ يُمْكِنُهُمْ وَضْعُ رُؤُوسِهِمْ فِيهَا.
فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، دَعُونَا نُحَافِظُ عَلَى الْحِسِّ السَّلِيمِ وَالْهُدُوءِ بِمَزِيدٍ مِنَ الْعِنَايَةِ. لِنَبْتَعِدْ عَنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الْكَلِمَاتِ وَالسُّلُوكِيَّاتِ الَّتِي قَدْ تَضُرُّ بِوَحْدَتِنَا وَأُخُوَّتِنَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
يَقُولُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: " فَاِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًاۙ اِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًاۜ"[2] نَعَمْ، مَعَ إمْطَارِ رَبِّنَا لِقُلُوبِنَا بِالْأَمَلِ وَالإِنْشِرَاحِ، نُؤْمِنُ أَنَّ هَذِهِ الصُّعُوبَةَ سَتُصَاحِبُهَا سُهُولَةٌ، وَبَعْدَ هَذِهِ الْمَتَاعِبِ سَتَأْتِي الرَّاحَةُ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ أُمَّتَنَا الْحَبِيبَةَ، الَّتِي تَغَلَّبَتْ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصُّعُوبَاتِ كَتِفًا بِكَتِفٍ وَقَلْبًا إِلَى قَلْبٍ، سَوْفَ تُضَمِّدُ جِرَاحَهَا مِنْ جَدِيدٍ بِبَصِيرَتِهَا وَبِفَرَاسَتِهَا، وَبِرَحْمَةِ رَبِّنَا وَنِعْمَتِهِ، وَقُوَّةِ وَجُهْدِ دَوْلَتِنَا.
وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ، أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الرَّحْمَةَ لِجَمِيعِ إِخْوَانِنَا وَأَخَوَاتِنَا الَّذِينَ مَاتُوا فِي كَوَارِثَ مِنَ الْمَاضِي إِلَى الْحَاضِرِ، وَالتَّعَازِي لِذَوِيهِمْ وَأُمَّتِنَا، وَالشِّفَاءَ الْعَاجِلَ لِجَرْحَانَا. نَرْجُو رَبَّنَا الْقَدِيرَ أَلَّا يَمْتَحِنَنَا بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُعَانَاةِ مَرَّةً أُخْرَى. وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَحْمِيَ بِلَادَنَا وَأُمَّتَنَا وَالْعَالَمَ الْإِسْلَامِيَّ وَالْبَشَرِيَّةَ جَمْعَاءَ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَوَارِثِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
وَيَسُرُّنَا جِدًّا أَنَّ الْعَدِيدَ مِنْ حَمَلَاتِ الْمَعُونَةِ بَدَأَتْ تَضْمِيدَ جَرَّاحِ إِخْوَانِنَا وَأَخَوَاتِنَا الْمُتَضَرِّرِينَ مِنَ الزِّلْزَالِ. بِصِفَتِنَا رِئَاسَةَ الشُّؤُونِ الدِّينِيَّةِ، مِنْ أَجْلِ دَعْمِ هَذِهِ الْحَمَلَاتِ، بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ اَلْيَوْم، سَنَتَقَدَّمُ بِطَلَبِ مُسَاعَدَةِ أُمَّتِنَا الْحَبِيبَةِ فِي جَمِيعِ مَسَاجِدِنَا بِاسْتِثْنَاءِ الْمُدُنِ الْمُتَضَرِّرَةِ مِنَ الزِّلْزَالِ. وَأَنَّ مَعُونَةَ أُمَّتِنَا الْمَلِيئَةَ بِالْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ هَذِهِ سَتَصِلُ لِإِخْوَتِنَا. وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى فِي مَقَامِهِ الأَعْلَى أنْ يَتَقَبَّلَ مِنّا الْمَعُونَاتِ.
[1] صَحِيحُ مُسْلِمٍ ، كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ ، 66
[2] سُورَةُ الْاِنْشِرَاحِ ، 94 / 5 - 6
اَلْمُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّة