الِاسْتِجَارَةُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَعِنَايَتِهِ تَكُونُ بِالْاِسْتِعَاذَةِ وَالبَسْمَلَةِ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
فِي الآيَةِ الكَرِيمَةِ الَّتِي قَرَأَتْهَا يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ"[1].
وَفِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي قَرَأْتُهُ يَقُولُ نَبِيُّنَا الحَبِيبُ (ص): " كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ أَقْطَعُ"[2].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
لَقَدْ عَلَّمَنَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ أَنْبِيَائِهِ جُمْلَتَيْنِ مُهِمَّتَيْنِ تُنْجِيَانِنَا مِنْ كُلِّ أَنْوَاعِ المَشَاكِلِ وَالصُّعُوبَاتِ وَتَفْتَحَانِ لَنَا أَبْوَابَ الخَيْرِ وَالإِحْسَانِ. هَاتَانِ الجُمْلَتَانِ هُمَا: أَعُوذُ اللّٰهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَبِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ، يَعْنِي إِظْهَارَ العَزْمِ عَلَى تَنْظِيمِ حَيَاتِنَا حَسْبَ أَوَامِرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَوَاهِيْهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
البَسْمَلَةُ هِيَ مَلْجَأُ الإِنْسَانِ الَّذِي إِمْكَانِيَّاتِهِ وَقُوَّتِهِ مَحْدُودَةً إِلَى اللَّهِ الَّذِي لَهُ قُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ لَا نِهَايَةَ لَهَا. إِنَّهُ يَعْنِي العَيْشَ مَعَ الوَعْيِ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ. الِاسْتِعَاذَةِ وَالبَسْمَلَةِ هُمَا مِفْتَاحُ عِبَادَتِنَا وَزِينَةُ أَلْسِنَتِنَا.
مَعَ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَبِاسْمِ اللَّهِ تُفْتَحُ أَبْوَابُ القَلْبِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. مِنْ أَجْلِ التَّغَلُّبِ عَلَى الصُّعُوبَاتِ يَجِبُ عَلَى المَرْءِ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِالبَسْمَلَةِ. بَعْدَ إِتْمَامِ المَسْؤُولِيَّاتِ يَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَشْفِيَ مِنَ الْأَمْرَاضِ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالبَسْمَلَةِ. وَبَعْدَ اِتِّخَاذِ جَمِيعِ الِاحْتِيَاطَاتِ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالبَسْمَلَةِ يُتَوَقَّعُ حَلُّ المَشَاكِلِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!
يُعْتَبَرُ الِاسْتِعَاذَةُ وَالبَسْمَلَةُ كَنْزًا ثَمِينًا وَقَيِّمًا لِلْغَايَةِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ اِحْتِوَاؤُهُ فِي الكُتُبِ وَالأَجْهِزَةِ اللَّوْحِيَّةِ. لَقَدْ أَرْسَلَهُمْ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَيْنَا حَتَّى نَتَمَكَّنَ مِنْ فَهْمِهِمْ وَاتِّخَاذِهِمْ مُرْشِدًا فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ حَيَاتِنَا. فِي وَاقِعِ الأَمْرِ، فَإِنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ، الَّذِينَ كَانُوا قُدْوَةً لِلنَّاسِ بِحَيَاتِهِمْ الطَّاهِرَةِ، بَدَءُوا دَعَوَاتِهِمْ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالبَسْمَلَةِ. وَدَعُوا النَّاسَ إِلَى التَّوْحِيدِ وَالوَحْدَةِ مَعَ الِاسْتِعَاذَةِ وَالبَسْمَلَةِ. وَيَتَعَوَّذُونَ بِاللَّهِ مِنَ الحَرَامِ، وَالفَحْشَاءِ، وَالضَّغِينَةِ، وَالبَغْضَاءِ، وَالغَضَبِ، وَالعِلْمِ الَّذِي لَا يَنْفَعُهُمْ. لَقَدْ طَلَبُوا مِنَ اللَّهِ العَوْنَ ضِدَّ الشَّيْطَانِ، وَالمَشَاعِرِ وَالأَفْكَارِ الشِّرِّيرَةِ، وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ مَرَاكِزِ الشَّرِّ وَالأَذَى. فَإِنَّ أَمْرَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذَا الشَّأْنِ وَاضِحٌ جِدًّا: "وَاِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِۜ"[3].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكِرَامُ!
دَعُونَا نَنْسِجُ كُلَّ لَحْظَةٍ مِنْ حَيَاتِنَا بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالبَسْمَلَةِ. لِنَبْدَأ كُلَّ كَلِمَةٍ نَقُولُهَا وَكَّلَ فِعْلٍ نَفْعَلُهُ بَالإِسْتَعَاذَةِ وْالبَسْمَلَةِ. دَعُونَا نُحِيطُ أَنْفُسَنَا بِالخَيْرِ وَلَا نَقْتَرِبُ مِنْ أَيِّ شَرٍّ. دَعُونَا نَتَعَلَّمُ المَعْرِفَةَ وَالعُلُومَ وَالتِّكْنُولُوجْيَا بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالبَسْمَلَةِ. دَعُونَا نَتَعَلَّمُ وَنُعَلِّمُ بِاسْمِ اللَّهِ، عَسَى أَنْ يَقُودَنَا مَا تَعَلَّمْنَاهُ إِلَى رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِعْمَارِ دُنْيَانَا وَآخِرَتِنَا. دَعُونَا نَدْخُلُ مَنَازِلَنَا مَعَ الِاسْتِعَاذَةِ وَالبَسْمَلَةِ. دَعُونَا نَجْعَلُ السَّلَامَ وَالسَّعَادَةَ يَسُودُ عَائِلَتَنَا وَلْنَبْتَعِدْ عَنِ العُنْفِ وَالكَرَاهِيَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ. دَعُونَا نَفْتَحُ أَمَاكِنَ عَمَلِنَا وَنَبْدَأَ عَمَلَنَا بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالبَسْمَلَةِ. فَلْنَكْسِبَ بِالحَلَالِ وَنُنْفِقَ بِالحَلَالِ؛ دَعُوْنَا نَبْتَعِدُ عَنِ الحَرَامِ وَعَنْ اِنْتِهَاكِ الحُقُوقِ الإِنْسَانِيَّةِ وَالعَامَّةِ. فَلِنَجْعَلَ الِاسْتِعَاذَةَ وَالبَسْمَلَةَ تُوَحِّدُ قُلُوبَنَا. فَلْنُعَزِّزَ وَحْدَتَنَا وَتَضَامُنَنَا وَأُخُوَّتَنَا؛ وَلَا نُعْطِي الفُرْصَةَ أَبَدًا لَمِنْ يُحَاوِلُ إِثَارَةَ الفِتْنَةِ وَالأَذَى وَالفُرْقَةِ بَيْنَنَا.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
كَانَ نَبِيُّنَا الحَبِيبُ (ص) دَائِمًا يَسْتَعِيذُ وَيُبَسْمِلُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَعِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَعِنْدَ نَوْمِهِ وَعِنْدَ اِسْتِيقَاظِهِ. وَكَانَ يَبْدَأُ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالبَسْمَلَةِ. وَكَانَ يَدْعُو رَبَّهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالبَسْمَلَةِ. فَلْنَفْتَحَ أَيْدِيَنَا بِصِدْقٍ لِرَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذَا اليَوْمِ الأَوَّلِ مِنْ شَهْرِ رَجَبَ، أَوَّلِ الأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ الحُرُمِ. فَلْنَرْكَعَ لِلَّهِ تَعَالَى بِكُلِّ تَوَاضُعٍ. فَلْنَسْتَعِذْ بِاللَّهِ بِهَذَا الدُّعَاءِ الَّذِي دَعَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَتَّخِذَهُ قُدْوَةً: "اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتَ المُسْتَعَانُ، وَعَلَيْكَ البَلَاغُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"[4].