يُسَهِّلُ اللَّهُ طَرِيقَ الْجَنَّةِ لِسَالِكِ طَرِيقِ الْعِلْمِ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
إِنَّ رَسُولَنَا الْكَرِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ قَدْ بَيَّنَ ذَاتَ مَرَّةٍ قِيمَةَ الْعِلْمِ لِأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ بِقَوْلِهِ: "مَنْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَه طَريقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ"[1]
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ أَحَدَ حِكَمِ رِسَالَةِ الْإِسْلَامِ هِيَ تَعْلِيمُ الْإِنْسَانِ الطُّرُقَ الَّتِي تُفْضِي إِلَى الْحَقِّ وَالْحَقِيقَةِ، وَإِزَالَةِ الْجَهْلِ وَإِنْهَائِهِ. وَإِنَّ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجٌ إِلَى التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ وَإِلَى الْأَدَبِ وَالتَّرْبِيَةِ أَيّاً كَانَ سِنُّهُ وَأَيّاً كَانَتْ مَكَانَتُهُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ بِالْعِلْمِ وَالتَّعَلُّمِ فَهْمُ الْوَحْيِ فَهْماً صَحِيحاً. وَيُمْكِنُهُ بِالْعِلْمِ وَالتَّعَلُّمِ بِنَاءُ عَالَمِهِ وَإِعْمَارُهُ. كَمَا أَنَّهُ يُنِيرُ قَلْبَهُ وَرُوحَهُ وَوِجْدَانَهُ بِالْعِلْمِ. وَإِنَّهُ بِالْعِلْمِ يَبْلُغُ الْغَايَةَ مِنْ وَرَاءِ الْخَلْقِ. وَبِالْعِلْمِ أَيْضاً يَظْفَرُ بِالْأَخْلَاقِ وَالْأَدَبِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ مَصْدَرَ الْعِلْمِ هُوَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْعَلِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ وَعَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْعِلْمَ هُوَ ذُو قِيمَةٍ بِالنِّسْبَةِ الَّتِي يُقَرِّبُ بِهَا الْمَرْءَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُحَقِّقُ اِلْتِقَاءَهُ بِالْإِيمَانِ. وَإِلَّا فَإِنَّ الْأَنْشِطَةَ الْعِلْمِيَّةَ الَّتِي تُقَامُ مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِ مَصْلَحَةٍ وَمَنْفَعَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَبِهَدَفِ جَرِّ الْأَفْرَادِ إِلَى الظُّلُمَاتِ وَجَرِّ الْمُجْتَمَعَاتِ إِلَى الْفَسَادِ، لَيْسَ لَهَا أَدْنَى قِيمَةٍ عِنْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. حَيْثُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا السَّعْيِ هُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْعَبَثِ وَإِنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ وَاضِحَةٌ لِلْغَايَةِ إِذْ يَقُولُ سُبْحَانَهُ: "الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا"[2]
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!
لَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى، "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ"[3] أَجَلْ، إِنَّ الْعِلْمَ هُوَ وَسِيلَةٌ لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِحَقٍّ، وَلِاِسْتِشْعَارِ مَحَبَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ سُبْحَانَهُ فِي قُلُوبِنَا عَلَى الدَّوَامِ. وَمِنْ جَانِبٍ آخَرَ، فَإِنَّ أَيَّ شَكْلٍ مِنْ أَشْكَالِ الْعُلُومِ وَالْوَسَائِلِ الْمُفِيدَةِ لِلْإِنْسَانِيَّةِ هُوَ ذَا قِيمَةٍ. بَيْدَ أَنَّ الْاِسْتِقْرَارَ فِي الدُّنْيَا وَالسَّعَادَةَ فِي الْآخِرَةِ تَتَحَقَّقُ مِنْ خِلَالِ تِلْكَ الْعُلُومِ الَّتِي تَتَحَوَّلُ إِلَى الْعَمَلِ أَيْ إِلَى الْجَانِبِ التَّطْبِيقِيِّ. وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ يَتَمَتَّعُ بِأَهَمِّيَّةٍ كَبِيرَةٍ حَتَى أَنَّ رَسُولَنَا الْحَبِيبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اِسْتَعَاذَ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ.[4]
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!
بَعْدَ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ، يَعُودُ أَبْنَاؤُنَا الَّذِينَ هُمْ قُرَّةُ أَعْيُنِنَا إِلَى الْمَدَارِسِ وَلِلهِ الْحَمْدُ! لَكِنْ، لَا يَنْبَغِي أَنْ نَنْسَى أَنَّ هُنَاكَ مَسْؤُولِيَّاتٍ تَقَعُ عَلَى عَاتِقِنَا كُلِّنَا ضِمْنَ مُكَافَحَتِنَا لِهَذَا الْمَرَضِ الْمُعْدِي وَذَلِكَ كَيْ لَا يَبْتَعِدَ أَبْنَاؤُنَا عَنْ مَدَارِسِهِمْ مَرَّةً أُخْرَى، وَيَنْبَغِي أَلَّا نُهْمِلَ كَافَّةَ أَشْكَالِ التَّدَابِيرِ.
وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّنَا نَسْأَلُ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَحْفَظَ أَبْنَاءَنَا وَيَحْفَظَنَا مِنْ سَائِرِ الْأَمْرَاضِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تُصِيبَ قُلُوبَنَا وَأَبْدَانَنَا، وَنَتَمَنَّى التَّوْفِيقَ لِمُعَلِّمِينَا وَأَبْنَائِنَا.