اَلْإِعْتِقَادَاتُ الْبَاطِلَةُ وَالْخُرَافَاتُ


اَلْإِعْتِقَادَاتُ الْبَاطِلَةُ وَالْخُرَافَاتُ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!

إِنَّ رَسُولَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْصَى ابْنَ عَمِّهِ عَبْدَ اللهِ ابْن عَبَّاسٍ أَثْنَاءَ مَسِيرٍ لَهُمَا فَقَالَ: "يَا غُلَامُ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، اِحْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، اِحْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اِسْتعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أنَّ الْأمَّةَ  لَوْ  اِجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَإِنْ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ"[1]

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!

إِنَّ دِينَنَا الْإِسْلَامِيَّ الْعَظِيمَ، يُظْهِرُ حَقَائِقَ الْإِيمَانِ لِلْإِنْسَانِيَّةِ جَمْعَاءَ وَطُرُقَ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ. وَيَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ وَلَا نَعْبُدَ سِوَاهُ، وَأَنْ نَعْتَمِدَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَأَنْ نَلْجَأَ إِلَى وَاسِعِ رَحْمَتِهِ  وَأَنْ  نَسْأَلَهُ  وَحْدَهُ عَزَّ  وَجَلَّ  الْعَوْنَ  وَالسَّنَدَ.  بِالْإِضَافَةِ  إِلَى  أَنَّ  دِينَنَا الْإِسْلَامِيَّ  لَا يَقْبَلُ بِالْاِعْتِقَادَاتِ الْبَاطِلَةِ وَالْخُرَافَاتِ جَمِيعِهَا. كَمَا أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيَامَ بِاسْتِغْلَالِ مَشَاعِرِ النَّاسِ وَقِيَمِهِم  إِثْماً عَظِيماً مِنْ خِلَالِ اِسْتِغْلَالِ فُرْصَةِ جَهْلِهِمْ بِالْأَشْيَاءِ وَعَجْزِهِمْ وَاضْطِرَارِهِمْ. بَيْدَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ تَجَاهَلَ مِنْ وَقْتٍ لِآخَرَ هَذِهِ الْمَبَادِئَ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا دِينُنَا وَأَصْبَحَ يَطْلُبُ الْعَوْنَ وَالْمَدَدَ مِمَّنْ يَنْظُرُونَ الْفَأْلَ ومِنْ السَّحَرَةِ وَالْكَهَنَةِ وَالْمُشَعْوِذِينَ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِل!

لَا شَكَّ أَنَّ الْإِدِّعَاءَ بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّنَبُّؤِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَالْغَيْبِ وَإِحْقَاقِ الْقِسْمَةِ وَالنَّصِيبِ وَجَلْبِ الْحَظِّ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الشِّفَاءِ، وَكَذَلِكَ انْتِظَارُ الْعَوْنِ وَالْمَدَدِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، هُوَ أَمْرٌ مُخَالِفٌ لِجَوْهَرِ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَيْبَ مُقْتَصِرٌ عَلَى عِلْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ. وَهُوَ تَعَالَى الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ وَحْدَهُ مَنْ يَمْلِكُ الْقُدْرَةَ وَالْقُوَّةَ. وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ يَمُنُّ عَلَيْنَا بِكُلِّ لُقْمَةٍ نَأْكُلُهَا وَيُنْعِمُها وَبِكُلِّ شَرْبَةِ مَاءٍ نَشْرَبُهَا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ دَوَاءَ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ وَشِفَاءَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ وَحَلِّ الْمُعْضِلَاتِ وَالْعُقَدِ هِيَ عِنْدَهُ وَبِيَدِهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَإِنَّهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ هُوَ وَحْدَهُ فَقَطْ مَنْ يَحْمِينَا وَيَرْعَانَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ وَمَنْ يَسْتَجِيبُ لِتَضَرُّعِنَا الصَّادِقِ وَدُعَائِنَا الْخَالِصِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاء!

إِنَّ الْقِيَامَ بِالتَّخْطِيطِ لِلْمُسْتَقْبَلِ مِنْ خِلَالِ رَبْطِ الْآمَالِ بِالْفَأْلِ وَالطَّالِعِ، وَانْتِظَارِ الْمَدَدِ وَالْعَوْنِ مِنْ السِّحْرِ وَالْكَهَانَةِ وَالْقِيَامِ بِذَلِكَ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، هُوَ أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ الصِّحَّةِ وَالصَّوَابِ بِمَكَانٍ. وَإِنَّ الاِدِّعَاءَ بِالْوُصُولِ إِلَى اِسْتِنْتَاجَاتٍ تَتَعَلَّقُ بِقَدَرِ النَّاسِ وَقِسْمَتِهِمْ مِنْ خِلَالِ النَّظَرِ فِي النُّجُومِ وَتَتَبُّعِ حَرَكَاتِهَا، لَا شَكَّ أَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَلِيقُ بِمَوْقِفٍ وَنَظْرَةٍ إِيمَانِيَّةٍ. كَمَا أَنَّ الْقِيَامَ بِنِسْبَةِ الْخَفَايَا أَوْ سُوءِ الطَّالِعِ وَالشُّؤْمِ إِلَى الْأَرْقَامِ وَالْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَالْأَشْيَاءِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَيَّ قُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ، لَا يَتَمَاشَى مَعَ عَقِيدَتِنَا وَإِيمَانِنَا. وَإِنَّ اِعْتِبَارَ بَعْضِ الْخَرَزِ عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّسٌ وَالاِعْتِقَادُ بِأَنَّهُ يَحْمِي مِنْ الشُّرُورِ، وَكَذَلِكَ الْبَحْثُ عَنْ النَّصِيبِ وَالْقِسْمَةِ فِي الْخِرَقِ الَّتِي يَتِمُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى الْأَشْجَارِ أَوْ فِي النُّقُودِ الَّتِي يَتِمُّ إِلْقَاؤُهَا فِي الْأَحْوَاضِ، هِيَ أَعْمَالٌ وَتَصَرُّفَاتٌ حَرَّمَهَا دِينُنَا الْجَلِيلُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاء!

دَعُونَا نُفَكِّرُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ! لِمَاذَا لَا يُمْكِنُ لِمَنْ يَدَّعُونَ أَنَّ لَدَيْهِمْ الْحُلُولَ لِمَشَاكِلِ الْآخَرِينَ وَهُمُومِهِمْ مِنْ خِلَالِ طُرُقِهِمْ وَأَسَالِيبِهِمْ الغَيْرِ مَشْرُوعَةِ مِثْلُ السِّحْرِ أَوْ الشَّعْوَذَةِ، أَنْ يَكُونُوا حَلاًّ لِهُمُومِهِمْ وَمَشَاكِلِهِمْ الشَّخْصِيَّةِ! وَلِمَاذَا لَا يُمْكِنُ لِمَنْ يَقُومُونَ بِاسْتِغْلَالِ تَطَلُّعَاتِ النَّاسِ وَآمَالِهِمْ، مِنْ خِلَالِ كَذِبِهِمْ وَاِدِّعَائِهِمْ بِأَنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَعُلُومِهِ، أَنْ يَصِلُوا بِأَنْفُسِهِمْ إِلَى الطَّرِيقِ الصَّائِبِ مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الْعُلُومِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ الْغَيْبِيَّةِ؟ وَكَيْفَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَخْدَعُونَ النَّاسَ بِاِدِّعَائِهِمْ وَقَوْلِهِمْ أَنَّ بِإِمْكَانِهِمْ الشِّفَاءَ، أَلَّا يَكُونَ بِمَقْدُورِهِمْ شِفَاءُ أَنْفُسِهِمْ مِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تُصِيبُهُمْ؟

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِل!

إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ مِنْ سُورَةِ الْفَلَقِ وَالَّتِي قُمْتُ بِتِلَاوَتِهَا فِي بِدَايَةِ خُطْبَتِي: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)"[2]

لِذَلِكَ، فَلْنَتَجَنَّبْ أَنْ نُفْسِدَ فِطْرَتَنَا النَّقِيَّةَ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِتَكُونَ صَالِحَةً لِلْإِيمَانِ وَمُهَيَّئَةً لِفِعْلِ الْخَيْرِ، بِالاِعْتِقَادَاتِ الْبَاطِلَةِ وَالْخُرَافَاتِ. وَلْنَعْمَلْ عَلَى تَقْوِيَةِ إِيمَانِنَا الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ وَأَفْضَلُ مَا نَمْلِكُ، وَمَشَاعِرَنِا وَنَوَايَانَا الصَّادِقَةِ، مِنْ خِلَالِ الْمَعْلُومَةِ الدِّينِيَّةِ الصَّحِيحَةِ وَالْقَوِيمَةِ. وَلْنَجْعَلْ مِنْ الْعَمَلِ بِعَرَقِ الْجَبِينِ مِنْ أَجْلِ حَيَاةٍ مِلْؤُهَا الطُّمَأْنِينَةُ وَمِنْ الْكَسْبِ بِالطُّرُقِ الْمُحَلَّلَةِ الْمَشْرُوعَةِ، وَمِنْ الذَّهَابِ لِلْعِلَاجِ عِنْدَ الْمَرَضِ، وَمِنْ التَّمَسُّكِ بِالْأَخْذِ وَالْعَمَلِ بِالْأَسْبَابِ، دُسْتُوراً وَمَنْهَجَاً لَنَا. وَلَا نَنْخَدِعْ بِتُجَّارِ الْفَأْلِ مِمَّنْ يُشَجِّعُونَ عَلَى الْكَسْبِ بِالطُّرُقِ الْمُخْتَصَرَةِ الْمُحَرَّمَةِ. وَلْنَطْلُبِ الْفَوْزَ وَالنَّجَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالشِّفَاءَوَالْقِسْمَةَ مِنْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ. وَلْنُؤْمِنْ دَائِماً وَأَبَدَاً بِأَنَّهُ تَعَالَى لَنْ يَتْرُكَ دَعَوَاتِنَا الَّتِي نَدْعُو بِهَا مِنْ صَمِيمِ قُلُوبِنَا بِلَا اِسْتِجَابَةٍ أَوْ رَدٍّ.



[1]سُنَنُ التِّرْمِذِيّ، كِتَابُ صِفَة الْقِيَامَة، 59 ؛ ابْنُ حَنْبَلْ، الْجُزْء 1، 293.

[2]سُورَةُ الْفَلَقِ، الْآيَاتُ مِنْ 1-5.

المُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّةِ

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم