اَلْأَدْعِيَةُ مِنْ لِسَانِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


" اَلْأَدْعِيَةُ مِنْ لِسَانِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

  أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!

   إِنَّنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ تَمُرُّ بِنَا أَيَّامٌ نَحْظَى فِيهَا بِالسَّرَّاءِ فَنَشْكُرُ، وَتَمُرُّ بِنَا أَيَّامٌ نُقَابِلُ فِيهَا الضَّرَّاءَ فَنَصْبِرُ. كَمَا أَنَّنَا نَجْتَهِدُ مِنْ أَجْلِ أَنْ نُوَاجِهَ الْمَصَائِبَ وَالْمَتَاعِبَ كَمُؤْمِنِينَ مِثْلَمَا نُوَاجِهُ النَّجَاحَ وَالسَّعَادَةَ وَالْفَرَحَ. وَإِنَّنَا نَتَمَتَّعُ بِنِعْمَةٍ مُنْقَطِعَةِ النَّظِيرِ وَالْمَثِيلِ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَزِيدَ مِنْ إِيمَانِنَا وَتَوَكُّلِنَا فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ كَمَا أَنَّهَا تُضِيفُ قُوَّةَ الْأَمَلِ وَالْمُجَابَهَةِ لِحَيَاتِنَا. وَهَذِهِ النِّعْمَةُ هِيَ "الدُّعَاءُ" الَّذِي هُوَ مُخُّ الْعِبَادَةِ وَجَوْهَرُهَا.

إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ تَضَرُّعُنَا وَتَوَسُّلُنَا وَمُنَاجَاتُنَا لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ صَمِيمِنَا. وَهُوَ إِقْرَارُنَا وَاِعْتِرَافُنَا بِأَنَّنَا ضُعَفَاءَ أَمَامَ قُدْرَتِهِ تَعَالَى الَّتِي لَا نَظِيرَ لَهَا. وَإِنَّهُ سَعْيُنَا مِنْ أَجْلِ الْاِلْتِجَاءِ إِلَى لُطْفِهِ وَعَفْوِهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهُوَ كَذَلِكَ إِظْهَارُ عُبُودِيَّتِنَا لَهُ تَعَالَى وَطَلَبُ الْعَوْنِ وَالسَّنَدِ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي تَلَوْتُهَا فِي بِدَايَةِ خُطْبَتِي: " وَاِذَا سَاَلَكَ عِبَاد۪ي عَنّ۪ي فَاِنّ۪ي قَر۪يبٌۜ اُج۪يبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ اِذَا دَعَانِۙ فَلْيَسْتَج۪يبُوا ل۪ي وَلْيُؤْمِنُوا ب۪ي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ "[1]

وَإِنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى "الْمُجِيبُ" أَيْ "أَنَّهُ مُجِيبُ الدُّعَاءِ". وَلَا شَكَّ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ وَيَعْلَمُ وَيَقْبَلُ جَمِيعَ دُعَائِنَا مَا خَفِيَ مِنْهُ وَمَا كَانَ ظَاهِراً.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!

إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعْلَمُ بِمَحَبَّتِهِ وَصِدْقِهِ وَإِخْلَاصِهِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، لَمْ يَكُنْ يُهْمِلُ الدُّعَاءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِالْلَيْلِ وَالنَّهَارِ وَفِي الْجَمَاعَةِ وَفِي الْخُلْوَةِ وَعِنْدَ الْفَرَحِ وَالْخَوْفِ وَالْحُزْنِ وَعِنْدَ اِسْتِحْضَارِ الْآخِرَةِ وَفِي الْبَيْتِ وَعَلَى الْمِنْبَرِ وَفِي التَّرْحَالِ وَالسَّفَرِ، أَيْ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فِي كُلِّ آنٍ وَمَكَانٍ. وَكَانَ يُسَيِّرُ حَيَاتَهُ بِجَعْلِ الدُّعَاءِ يُلَامِسُ جَمِيعَ نَوَاحِيهَا وَجَوَانِبِهَا. وَهُوَ كَذَلِكَ مَنْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَدْعُو وَكَيْفَ نَتَضَرَّعُ.

فَلَقَدْ كَانَ رَسُولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ بِدَايَةِ الْيَوْمِ فِي الصَّبَاحِ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"[2]

كَمَا أَنَّ الرَّسُولَ الْأَكْرَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يُرَاعِي رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِ طِيلَةَ الْيَوْمِ، كَانَ يُسْنِدُ أَمْرَهُ لِلَّهِ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي"[3]

وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَضَرَّعُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَائِلاً: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"[4]

وَعِنْدَمَا يَنْتَهِي النَّهَارُ وَيَحُلُّ الْمَسَاءُ كَانَ رَسُولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ الْلَيْلَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: "رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا"[5] أَمَّا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا ، وَكَفَانَا وَآوَانَا ، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ"[6]

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءَ!

لَا شَكَّ أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ اِلْتِجَاءُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَجِدَ لَدَيْهِ الدَّوَاءَ لِهُمُومِهِ، وَبِهَدَفِ حِمَايَتِهِ لَهُ مِنْ كُلِّ الشُّرُورِ بِأَنْوَاعِهَا، وَكَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُبْعِدَهُ عَنْ كُلِّ الْمَصَائِبِ وَالْكُرُبَاتِ مَا خَفِيَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَخْفَى. وَقَدْ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَجَّهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَلْجَأُ إِلَيْهِ بِهَذَا الدُّعَاءِ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ، القَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا"[7]

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!

لَا بُدَّ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَظُنَّ وَيَعْتَقِدَ أَنَّ دُعَاءَهُ لَمْ يُقْبَلْ. فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ لَهُ: "يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي"[8] وَلَا شَكَّ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمُنُّ عَلَيْنَا أَحْيَاناً بِنِعَمٍ لَا تُحْصَى بِفَضْلِ دُعَائِنَا وَتَضَرُّعِنَا. وَأَحْيَاناً أُخْرَى يَرْفَعُ بِهِ عَنَّا مُصِيبَةً جَثَمَتْ عَلَى كَاهِلِنَا. وَفِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يَعْفُو بِهِ عَنْ سَيِّئَاتِنَا وَخَطَايَانَا. وَأَحْيَاناً يَمُنُّ عَلَيْنَا بِفَضْلِهِ بِأَفْضَلِ مِمَّا طَلَبْنَاهُ وَرَجَوْنَاهُ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ.

وَلِذَا فَلْنُؤْمِنْ بِأَنَّ مَا دَعَوْنَا بِهِ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ دَعَوَاتٍ خَالِصَةٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا إِجَابَةٌ. وَلْنَحْرِصْ عَلَى أَنْ لَا نَحْرِمَ أَنْفُسَنَا مِنْ الْبَرَكَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالْأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ الَّذِي يَجْلِبُهُ الدُّعَاءُ. وَلَا نَنْسَى الدُّعَاءَ لِأُسَرِنَا وَعَوَائِلِنَا وَلِأَحْبَابِنَا وَلِإِخْوَانِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِلْمَظْلُومِينَ وَالْمُضْطَهَدِينَ بِقَدْرِ مَا نَدْعُو لِأَنْفُسِنَا وَذَوَاتِنَا. وَلْنَحْرِصْ وَلْنَجْتَهِدْ مِنْ أَجْلِ نَيْلِ دُعَاءِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَرْضَى وَكِبَارِ السِّنِّ وَأَصْحَابِ الْحَوَائِجِ.

وَإِنَّنِي أَوَدُّ أَنْ أُنْهِي خُطْبَتِي بِدُعَاءٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى، وَالتُّقَى، وَالعَفَافَ، والغِنَى"[9]



[1] سُورَةُ الْبَقَرَة، الْآيَةُ: 186.

[2] سُنَنُ التِّرْمِذِيُّ، كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، 13.

[3] سُنَنُ التِّرْمِذِيُّ، كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، 85.

[4] سُنَنُ أَبِي دَاوُد، كِتَابُ الْوِتْرِ، 26.

[5] صَحِيحُ مُسْلِم، كِتَابُ الذِّكْرِ، 75.

[6] سُنَنُ التِّرْمِذِيُّ، كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، 16.

[7] صَحِيحُ مُسْلِم، كِتَابُ الذِّكْرِ، 73؛ سُنَنُ النَّسَائِيّ، كِتَابُ الْاِسْتِعَاذَة، 13.

[8] سُنَنُ أَبِي دَاوُد، كِتَابُ الْوِتْرِ، 23.

[9] صَحِيحُ مُسْلِم، كِتَابُ الذِّكْرِ، 72.

المُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّةِ

إرسال تعليق

أحدث أقدم