اَلْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ الْاِتِّحَادِ وَالتَّضَامُنِ


"اَلْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ الْاِتِّحَادِ وَالتَّضَامُنِ"

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!

يَقُولُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي قَرَئْتُهَا آنِفًا هَكَذَا

﴿اَلَّذ۪ينَ اٰمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا ف۪ي سَب۪يلِ اللّٰهِ بِاَمْوَالِهِمْ وَاَنْفُسِهِمْۙ اَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّٰهِۜ وَاُو۬لٰٓئِكَ هُمُ الْفَٓائِزُونَ ﴾[1] وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي قَرَأْتُهُ يَقُولُ نَبِيِّنَا الْحَبِيبُ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسَأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ»[2]

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الأَعِزَّاء!

مَرَرْنَا بِالْعَدِيدِ مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْكَوَارِثِ كَأُمَّةٍ نَبِيلَةٍ. وَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَمْسَحُوا اِسْمَنَا مِنْ صَحِيفَةِ التَّارِيخِ لَمْ يَرْغَبُوا عَنْ طُمُوحَاتِهِمْ أَبَدًا. مَعَ ذَلِكَ فَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ طَمَعَ فِي وَطَنِنَا اَلَّذِي رُوِيَ كُلَّ شِبْرٍ مِنْ أَرْضِهِ بِدِمَاءِ شُهَدَائِنَا الطَّاهِرَةِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَزَّقَ أُمَّتَنَا اِرْبًا فَهُوَ مَحْكُومٌ عَلَى أَنْ يَخْسَرَ الْيَوْمَ كَمَا كَانَ فِي الْمَاضِي. لِأَنَّ لَدَيْنَا قُوَّةً هَائِلَةً تَجْعَلُنَا غَالِبِينَ عَلَى أَعْدَائِنَا. وَهَذِهِ الْقُوَّةُ هِيَ إِيمَانُنَا الرَّاسِخُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاِخْلاَصُنَا فِي دِينِنَا الْمُبِينِ الْإِسْلاَمِ وَحُبُّنَا لِوَطَنِنَا وَعَلَمِنَا وَاِسْتِقْلاَلِنَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!

اَلْمُسْلِمُ يَأْخُذُ إِحْسَاسَ السِّلْمِ وَالرَّفَاهِ مِنَ اللَّهِ الَّذِي يَهَبُهُ، وَيُوَزِّعُ السِّلْمَ وَالسَّلاَمَ مَنْ حَوْلَهُ بِالْخُضُوعِ لِلَّهِ. وَ مَعَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ الْخَالِصُ هُوَ لاَ يُوَافِقُ أَبَدًا عَلَى اِنْتِهَاكِ الْقِيَمِ مَا يَعْتَبِرُهَا اْلإِسْلاَمُ مُقَدَسَّةً وَمُحَصَّنَةً. فَإِنَّهُ يُجَادِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ الْقَضَاءِ عَلَي الشَّرِ فِي الْأَرْضِ وَالْحِفَاظِ عَليَ السَّلاَمِ. فَإِنَّ أُمَّتَنَا الْبَطَلَةَ كَافَحَتْ دَائِمًا ضِدَّ أَعْدَاءِ الْاِسْلاَمِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ طُوَالَ تَارِيخِهَا. وَلَقَدْ جَادَلَتْ دَائِمًا لِضَمَانِ السَّلاَمِ وَالْأَمْنِ فِي الْأَرْضِ. وَلَمْ تَطْمَعْ أبَدًا عَلَى أَرْضِ أيِّ بَلَدٍ. وَلَكِنَّهَا دَافَعَتْ عَنْ بَلَدِهَا بِصَدْرِهَا الْمَلِيءُ بِالْإِيمَانِ لِمَنْ طَمَعَ فيِ أَرْضِهَا. وَلَمْ تُوَافِقْ عَلَى اِنْتِهَاكِ وَطَنِهَا وَاِنْزَالِ عَلَمِهَا وَعَلَى تَسْكِيتِ صَوْتِ الْأَذَانِ فِيمَسَاجِدِهَا.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الأَعِزَّاء!

يَا لِلْأَسَفِ، تَحَوَّلَ عَالَمُ الْيَوْمِ إِلىَ مَكَانٍ دُبِّرَتْ فِيهِ الْحِيَلُ الْخَبِيثَةُ وَالْخُدَعُ الْمُظْلِمَةُ. وَالَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَحَارِبُونَ مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِ الْاِسْتِقْلاَلِ، شَرَعُوا فِي اِحْتِلاَلِ بِلاَدِ الْمُسْلِمَةِ بِلاَ هَوَادَةٍ وَرَحْمَةٍ عَلَى الأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ. وَتَمَّ تَرْحِيلُ الْأَبْرِيَاءُ مِنْ بِلاَدِهِمْ وَعُثِرَتْ عَلَى جُثَّةِ الْأَطْفَالِ الْمَعْصُومِينَ فِي السَّوَاحِلِ. وَأُولَئِكَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْفِرُوا حُفْرَةً مِنَ النَّارِ فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْ بُقْعَةِ الْجُغْرَافْيَا الْإِسْلاَمِيَّةِ بَثُّوا الْفَسَادَ فِي الْأُمَّةِ وَنَشَرُوا النِّفَاقَ بَيْنَ الشَّقِيقِ الْمُسْلِمِ بِاسْتِخْدَامِ أَسْلِحَةِ الْفِتْنَة وَالْخِيَانَةِ وَاْلإِرْهَابِ. لَقَدْ اُسْتُهْدِفَ وُجُودُنَا وَبَقَائُنَا وَاسْتِقْلاَلُنَا وَمُسْتَقْبَلُنَا مَعَ كُلِّ أَنْوَاعِ الْحِيَلِ وَالْخُدَاعِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!

عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ الصُّعُوبَاتِ الَّتِي تُوَاجِهُ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ وَالشُبَّانُ وَالْمُسِنُّونَ، فَإِنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أُمَّتِنَا الْعَزِيزَةِ سَوْفَ يُكَافِحُ عَلَى اْلأَعْدَاءِ وَيُجَادِلُ في سَبِيلِ اللهِ حَتَّى أَنْ يُزِيلَ الشَّرَّ مِنَ الْأَرْضِ وَيَسُودَ الْخَيْرَ عَلَيْهَا. وَسَوْفَ يُبْطِلُ جَمِيعَ أَلْعَابِهِمِ الْمُظْلِمَةِ بِفَطَنَتِهِ وَفَرَاسَتِهِ. كَمَا كَانَ فِي الْمَاضِي، وَالْيَوْمَ سَتَظِلُّ أُمَّتُنَا الْعَزِيزَةُ عَلَى أَنْ تَكُونَ عِلاَجًا لِلْعَاجِزينَ، والْمَسَاكِينَ وَأَمَلًا لِلْمَظْلُومِينَ وَمَلْجَأً لِلاَّجِئِينَ.

نَحْنُ نَصْبِرُ عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ عِنْدَ الضُّرُورَةِ؛ وَلَكِنْ لاَ نُسَاوِمُ أَبَدًا عَلَى حُرِّيَّتِنَا وَاسْتِقْلاَلِنَا وَلاَ نَتَنَازَلُ عَنْ كَرَامَتِنَا وَشَرَفِنَا بَلْ نَقِفُ ضِدَّ الْهُجُومَاتِ عَلَى وَطَنِنَا وَمقَدَّسَاتِنَا وَعَلَى وَحْدَتِنَا وَتَضَامُنِنَا مِنْ خِلاَلِ إِظْهَارِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّضْحِيَّاتِ. وَلَنْ نَسْتَسْلِمَ أَبَدًا لِلْعَدُوِّ شِبْرَ أَرْضٍ مِنْ وَطَنِنَا الْجَمِيلِ مِثْلَ الْجَنَّةِ.

وَلِذَلِكَ، دَعُونَا لاَ نُعْطِي أّيَّ فُرْصَةٍ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ يُرِيدُنَ أَنْ يُخْرِجُوا فِتْنَةً بَيْنَنَا. ولِنَسْتَمِرَّ فِي رَبْطِ قُلُوبِنَا بِأُخُوَّةِ اْلإِيمَانِ. فَلْنَكُنْ يَقِظِينَ ضِدَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ وَيَرْغَبُونَ التَّحْريضَ عَلَى الْإِرْهَابِ. فَلِنَبْتَعِدْ عَنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الْخَطَابَاتِ وَالْأَفْعَالِ اَلَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَلْحَقَ الضَّرَرَ بِعَزِيمَتِنَا وَمَحَبَّتِنَا وَوَحْدَتِنَا وَسَعَادَتِنَا.

هَيَّا نَدْعُو مَعًا لِرَبِّنَا فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْمُبَارَكَةِ:

يَا رَبَّنَا! لاَ تَفْسَحْ فُرْصَةً لِلَّذِينَ يَطْمَعُونَ فِي كَرَامَتِنَا وَعِزَّتِنَا وَاسْتِقْلَالِنَا وَمُسْتَقْبَلِنَا وَلاَ تُمْهِلْ مُهْلَةً لِلَّذِينَ يَرْغَبُونَ فِي اِفْسَادِ وَحْدَتِنَا وَتَقْسِيمِ وَطَنِنَا.

يَا رَبَّنَا! أُنْصُرْ جَيْشَنَا الْعَظِيمَ الَّذِي سَافَرَ مِنْ أَجْلِ أَمْنِ بَلَدِنَا وَسَعَادَةِ أُمَّتِنَا وَسَلاَمِ الْجُغْرَافْيَا الْاِسْلاَمِيِّ وَخَلاَصِهِ مِنَ الْكُفَّارِ.

يَا رَبَّنَا! اِحْمِ جُنُودَنَا مِنْ جَمِيعِ الْأَخْطَارِ وَالْمُكُورِ وَاجْعَلنَا مُنْتَصِرِينَ بِنُصْرَتِكَ وَقُدْرَتِنَا فِي هَذَا الطَّرِيقِ الَّذِي اِنْطَلَقْنَا مِنْ أَجْلِ الْقَضَاءِ عَلىَ الْفَسَادِ وَاْلإِرْهَابِ.



[1] سُورَةُ التَّوْبَةِ، الآيَة 9/20

[2] صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ، كِتَابُ الْجِهَادِ، 112؛ صَحِيحُ مُسْلِمٍ، كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيرَةِ، 20

اَلْمُدِيرِيّةُ الْعَامَّةُ لِلْخدَمَاتِ الدِّينِيَّةِ

إرسال تعليق

أحدث أقدم