اَلنَّقَاوَةُ الْمَادِّيَّةُ وَالْمَعْنَوِيَّةُ: النَّظَافَةُ
أَعِزَّائِي الْمُسْلِمِينَ!
بَعْدَ أَنْ أَمَرَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّظَافَةِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ مِنْ خِلَالِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ أَمَرَهُمْ بِالْآيَةِ التَّالِيَةِ "مَا يُر۪يدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلٰكِنْ يُر۪يدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" 1. وَقَالَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِهِ الْكَرِيمِ " إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ"2.
أَعِزَّائِي الْمُؤْمِنِينَ!
اَلنَّظَافَةُ هِيَ التَّخَلُّصُ مِنْ جَمِيعِ الْأوْسَاخِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ لِيُصْبِحَ الْإنْسَانُ نَظِيفًا وَنَزِيهًا. وَالْإحْتِفَاظُ بِالْجَسَدِ الَّذِي أمَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا وَبالْقَلْبِ الَّذِي إطْمَأَنَّ بِالْإيمَانِ نَظِيفًا مُصَفًّى. اَلنَّظَافَةُ هِيَ مَوْرِدُ الصِّحَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُؤْمِنِ وَهِيَ الشَّرْطُ الْأوَّلُ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي تَقِي الْمُؤْمِنَ مِنَ الشَّرِّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأفَاضِلُ!
اَلْإسْلَامُ الَّذِي يُشَجِّعُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ النَّظَافَةِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ هُوَ دِينُ الْفِطْرَةِ وَدِينُ الْحَيَاةِ. وَالْكَائِنَاتُ بجَمِيعِ اَقْسَامِهَا ضِمْنَ تَجْدِيدٍ وتَنْظِيفٍ. فَجَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى سَطْحِ الْأرْضِ تَسْعَى حَسْبَ فِطْرَتِهَا لِتَبْقَى نَظِيفَةً. لَكِنْ لِلْإنْسَانِ الَّذِي كَانَ أَشْرَفَ الْمَخْلُوقَاتِ مَكَانَةٌ وَمَسْئُولِيَّةٌ خَاصَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّظَافَةِ. لِأنَّ مَنْ يُوَسِّخُ الْبِيئَةِ وَيُنَظِّفُهَا هُوَ الْإنْسَانُ.
أَعِزَّائِي الْمُؤْمِنِينَ!
اَلنَّظَافَةُ بِشَكْلٍ عَامٍّ هِيَ التَّخَلُّصُ مِنْ جَمِيعَ الْأوْسَاخِ. فَصِحَّةُ الْجِسْمِ وَاطْمِئْنَانُ عَالَمِنَا الدَّاخِلِيِّ يَرْتَبِطُ بِالنَّظَافَةِ. تَبْدَأُ نَظَافَةُ الْجِسْمِ الْمُلَائِمَةِ لِلْإنْسَانِ اِعْتِبَارًا مِنَ الْفَمِ وَالْأسْنَانِ، فَقَدْ نَوَّهَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهَمِّيَّةِ نَظَافَةِ الْفَمِ وَالْأسْنَانِ مِنْ خِلَالِ حَدِيثِهِ الَّذِي أَشَارَ فِيهِ أَنَّهُ "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ" 3.
أَعِزَّائِي الْمُؤْمِنِينَ!
بَعْدَ اِنْتِهَاءِ فَتْرَةِ الْإنْزِوَاءِ الَّتِي قَضَاهَا النَّبِيُّ الْكَرِيمُ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارِ حِرَاءَ جَاءَهُ الْوَحْيُ الَّذِي بَلَغَهُ الرِّسَالَةَ " وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْۙ ﴿٤﴾ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْۙ " 4. لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ الْمَلَابِسَ الْقَدِيمَةَ بَلْ مُرَاعَاةُ نَظَافَةِ الْمَلَابِسِ. اَلذَّهَابُ إِلَى الْجَوَامِعِ بِمَلَابِسَ مُتَّسِخَةٍ وَجَوَارِبَ تَصْدُرُ عَنْهَا رَوَائِحُ كَرِيهَةٌ تُزْعِجُ إِخْوَانَنَا هُوَ تَصَرُّفٌ غَيْرُ لَبِقٌ. حَيْثُ يَتَوَجَّبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَلْتَزِمَ بِالنَّظَافَةِ وَالتَّصَرُّفِ الْجَيِّدِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مَكَانِ تَوَاجُدِهِ وَاَنْ يَكُونَ تِمْثَالَ النَّظَافَةِ. فَقَدْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ "أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ " 5.
وَبِالْإضَافَةِ إِلَى نَظَافَةِ الْجِسْمِ وَالْمَلَابِسِ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ نَظَافَةِ الْبِيئَةِ، وَمُرَاعَاةِ نَظَافَةِ سَطْحِ الْأرْضِ الَّذِي جُعِلَ مَكَانَ عِبَادَةٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَظِيفَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ وَدِينِيَّةٌ. لِذَلِكَ يَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا رَمْيُ الْقَوَارِيرِ الْبِلَاسْتِيكِيَّةِ الَّتِي تَنْشُرُ السُّمَّ عَلَى مَدَى مِئَاتِ السِّنِينَ فِي الْأمَاكِنِ الْمُخَصَّصَةِ لِإعَادَةِ التَّصْنِيعِ بَدَلَ رَمْيِهَا فِي الْأمَاكِنِ الْعَامَّةِ وَالتَّصَرُّفُ بِشَكْلٍ لَبِقٍ يَلِيقُ بِأَخْلَاقِ الْبِيئَةِ لِأنَّ ذَلِكَ مِنْ مَسْئُولِيَّاتِنَا تُجَاهَ الْأجْيَالِ الْقَادِمَةِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!
وَالْمَقْصُودُ بِالنَّظَافَةِ أَيْضًا هُوَ تَزْكِيَةُ الْإنْسَانِ نَفْسَهُ مِنَ الْأوْسَاخِ الْمَعْنَوِيَّةِ. لِذَلِكَ يَتَوَجَّبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ اَنْ يُبَعِّدَ قَلْبَهُ الَّذِي تَنَوَّرَ بِنُورِ الْإسْلَامِ عَنِ الظُّلُمَاتِ وَالْأوْسَاخِ. وَعَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُحَافِظَ عَلَى فُؤَادِهِ بَعِيدًا عَنِ الْكِبْرِ وَالرِّيَاءِ وَالْحَسَدِ وَالْكِذْبِ وَالْبُخْلِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأمْرَاضِ وَأَنْ يُغَذِّيَهِ وَأَنْ يُحَلِّيَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالصِّدْقِ وَالْكَرَمِ وَالرَّحْمَةِ وَالْأدَبِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ. وَيَتَوَجَّبُ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ لِسَانِهُ لِأنَّهُ مِرْآةُ الرُّوحِ وَلُغَةُ الْقَلْبِ وَأَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهِ بَعِيدًا عَنِ الْكِذْبِ وَالْإفْتِرَاءِ وَالْألْفَاظِ النَّابِيَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ نِطَاقِ الْأدَبِ. وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ وَالْأذُنُ وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ أَيْضًا بِالْإضَافَةِ إِلَى الْأعْضَاءِ الْأخْرَى يَجِبُ حِمَايَتُهُمْ مِنَ الْحَرَامِ. وَيَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا التَّوَجُّهُ إِلَى الْحَلَالِ فِي كُلِّ أَعْمَالِنَا. وَيَجِبُ التَّوْبَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ كُلِّ خَطَئِهِ وَالنَّجَاةُ مِنْ ثِقْلِ الْإثْمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ " اَلتَّٓائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّٓائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْاٰمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّٰهِۜ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِن۪ينَ" 6.
أَعِزَّائِي الْمُؤْمِنِينَ!
اَلنَّظَافَةُ هِيَ مِنْ مُتَطَلِّبَاتِ إِيمَانِنَا. لِذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ قَوِاعِدِ النَّظَافَةِ الْمَادِّيَّةِ والنَّظَافَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ. فَلَا نَتْرُكُ جِسْمَنَا دُونَ أَيِّ اِهْتِمَامٍ وَلَا نَتَخَطَّى حُدُودَ ذَلِكَ. دَعُونَا نَكُنْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمِثَالِيِّينَ مِنْ نَاحِيَةِ النَّظَافَةِ وَالْأخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ كَالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ بِالسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. دَعُونَا نَمْنَحُ مَنْ يُحِيطُ بِنَا الْأمَلَ وَالثِّقَةَ مِنْ خِلَالِ مَظْهَرِنَا وَحَدِيثِنَا. وَلْتَكُنْ نَظَافَتُنَا دَلِيلَ إِيمَانِنَا. وَلْيَكُنْ مَظْهَرُنَا الْخَارِجِيُّ وَالدَّاخِلِيُّ نَظِيفًا.
أَعِزَّائِي الْمُسْلِمِينَ!
تَقُومُ رِئَاسَةِ الْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّةِ بِمُسَاعَدَةِ شَعْبِنَا الْعَزِيزِ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ دَاخِلَ وَخَارِجَ تُرْكِيَا. وَكَمَا كَانَ الْحَالُ فِي الْأمْسِ نَحْنُ مُؤْمِنِينَ بِقِيَامِ شَعْبِنَا الْعَزِيزِ بِتَقْدِيمِ الدَّعْمِ لِبِنَاءِ الْجَوَامِعِ فِي يَوْمِنَا الْحَالِي. وَفَّقَنَا اللَّهُ لِلْحَيَاةِ بِبَدَنٍ نَظِيفٍ وَقَلْبٍ صَفِيٍّ وَلَا يَحْرُمْنَا مِنَ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ وَأَصْوَاتِ الْأذَانِ.
1 المائدة، 5/6
2 الترمذي، الأدب ،41
3 البخاري، الجمعة، 8
4 المدثر، 74/4-5
5 أبو داود، اللباس، 14
6 التوبة ، 9/112
المديرية العامة للخدمات الدينية