التاريخ: 27. 04. 2018
لَيْلَة ُالنِّصْفِ مَنْ شَعْبَانَ"
وَسِيلَةُ الْعَفْوِ وَالطُّهْرِ وَالنَّجَاةِ
بَارَكَ الله فِي جُمْعَتِكُمْ إِخْوَانِي الأَعِزَّاء!
بَشَّرَنا الله تَعالى ذُو الَّرحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ التي لَا تَنْتَهِي بِقَوْلِهِ أَعْلَاهُ " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ اَسْرَفُوا عَلٰٓى اَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِۜ اِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاًۜ اِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " 1.
أيُّها المؤمِنُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!
نَعِيشُ هَذِهِ الْأَياَّمَ غِبْطَةَ قُرْبِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَسِيلَةُ الْعَفْوِ وَالطَّهَارَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالنَّجاةِ. اَلْحَمْدُ وَالثَّنَاءُ لله تعالى. سَنَكونُ بِإذْنِ الله تعالى لَيْلَةَ 30 شَهْرِ نيِسَان (أبريل) في اللَّيلةِ الْوَاصِلةِ مَا بَيْنَ يَوْمِ الْاِثْنَيْنِ وَيَوْمِ الثُّلَاَثاءِ قَدْ أَدْرَكْنَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هَذِه اللَّيْلَةِ فِي حَدِيثِهِ الْقُدْسِي "إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا . فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ أَلاَ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ أَلاَ مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ أَلاَ مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ أَلاَ كَذَا أَلاَ كَذَا حَتَّى يَطْلُعَ " 2.
إِخوَتِي!
اَلْعُمْرُ هُوَ رَأْسُ مَالِنا اَلْأكْثَرُ قِيْمَةً. كُلُّ سَاعَةٍ فِيه بِقِيْمَةِ خَزِينَةٍ وَكُلُّ دَقيقَةٍ فيه بِقِيْمَةِ ثَرْوَةٍ. وَلَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ هِيَ إحْدَى أهَمِّ مَعابِرِ الْحَياةِ اَلْأكْثَرُ بَرَكَةً. تُساهِمُ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبان بِإعادَةِ مُحاسَبةِ ذَاتِنا وَالتَّفَكُّرُ بِذَلِك. لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شعبان هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتي تَتَجَلَّى بِهَا الرَّحْمَةُ الْإلَهِيَّةُ. ليلة النصفُ من شعبان هِيَ ليلةُ النَّدَمِ والْأَمَلِ. لَيْلةُ النِّصفِ من شعبان هِيِ اللَّيْلَةُ التي تَرْتَفِعُ فيها الْأَيَادِي لِلدُّعاءِ وَالْأفْئِدَةُ لِلْاِبْتِهال. إنَّها اللَّيْلةُ التي يَعُودُ فيها الْإْنسانُ إلى رَبِّهِ تعالى لِلدُّخولِ في مَغْفِرَتِه.
وَلَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ هِيَ لَيلةُ تَرْمِيمِ الْأْفئِدَةِ وَهَدْمِ جُدْرانِ الْاِسْتِياءِ والْحِقْدِ والْكُرهِ ومَا شَابَهَ ذَلِك من هذه الْعَواطِف. لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ هِيَ ليلةُ النَّجاةِ مِنْ هَوَى النَّفْسِ وأسْرِها. إنه الْوَقْتُ الذي يَجِبُ فيه التَّيَقُّظُ لِلْاِبْتِعادِ عَنْ حِيَلِ النَّفْسِ وَحِيَلِ الشَّيْطَان.
أيُّها المؤمِنُونَ الأعِزاَّءُ!
تَعَلَّمَنَا ليلةُ النِّصفِ من شعبان في كُلِّ سَنَةٍ اَلْاِبْتِعادَ عن جَميعِ الْمَساوِئ والظُّلمِ واللَّامُساوَة. لَا تُساهِمُ لَيلةُ النصفِ من شعبان بِدَفْعِنَا لِطَلبِ الْعَفوِ من الله تعالى بَلْ تَعَلَّمَنَا العفوَ أيضاً. لأن الله تعالى عَفُوٌّ رحيمٌ يُحِبُّ الْعَفْوَ. حيث يكون المؤمن عَفُوًّا تُجاهَ نفسه وتُجاهَ عائِلتَه وإخْوَته في الدِّين ومَنْ حَوْله وجميع الكائنات. مَنْ طَلبَ الْاِطْمِئْنانَ من الله تعالى لَا يَحِقُّ له أنْ يُحقِّرَ أيَّ أَحَدٍ. مَنْ أَرادَ الْوُصولَ إلى حُبِّ الله تعالى يَجِب أن يَحْمَلَ الْحُبَّ والرَّحمةَ في قَلْبِه.
أيُّها المؤمِنُونَ الأعِزاَّءُ!
أُريدُ أنْ أذْكُرَكُمْ بهذه الليلة بالمسئولية الْمُلْقاةِ على عاتِقِ كُلِّ فَرْدٍ مِنَّا على طَريقِ "أُمَّةٌ خَيِّرَةٌ أُرْسِلتْ من أجل الإنْسانيَّة". لأنه من غيرِ الْمُمْكِنِ أنْ نَكونَ مِنَ المؤمنين الصَالحين إذا لم نُدْرِكْ مَهامَّنا ووظائِفَنا تُجاهَ ما يَجْري مِنْ حْولِنا.
دَعونا في هذه الْفَترة الْمُباركة نَتَذَكَّرُ مَسْئوليَّاتِنا التي نَسيناها وتَخَلِّينا عنها. فإذا كُنَّا قد فضَّلْنا الحياةَ الدنيا على الآخرة دَعونا نَتوبُ من أجْلِ المحبة والرحمة التي حرَّمْنا أقْربَ المقربين إلينا منها. إذا كُنَّا قد تركنا إخوتَنا من الأيتام والمظلومين دَعونا نتوب. دعونا نُعيدُ التَّفْكيرَ في عبوديَّتنا لله تعالى التي أهْمَلْناها. دعونا نَتوجُ دنيانا التي هَدَّمْناها بالدُّعاء والعبادة والتَّمَعُّن. دَعونا نَبَنِّي السُّدودَ أمام الطُّرق المؤدِّية إلى المعاصي. دعونا نَبذُلُ قُصارى جُهْدِنا لتحقيق دنيا يَعُمُّ فيها الخير. دعونا نُقَيِّمُ هذه الأيام التي تَتَجَلَّى فيها رحمة الله تعالى على أكْمَلِ وَجْهٍ. فَلْنُقَدِّمْ طَاعاتِنا وتَسْليمتِنا وصَالحَ أعْمالِنا وتَوْبَتَنا واستِغْفارَنا لله تعالى فقط. لِنَسْتَدِرْ بِوَجْهِنا عن أخطائِنا ومعاصينا بشَرْطِ عدَمِ العَوْدةِ إليها.
أَخْتِمُ خُطْبَتِي بهَذا الدُّعاءِ "اللهم إني أعوذ بك بِرِضاك من سَخَطِك، وبمُعافاتِك من عُقوبَتِك، وأعوذ بك مِنْك لا أُحْصِي ثَناءً عَليك أنت كما أَثْنَيْتَ على نَفْسِكَ" 3.
"اللهم أَعِنَّا على ذِكْرِك وشُكْرِك على نِعَمِكَ وحُسْن عبادتك على أَكْمَلِ وَجْهٍ" 4.
1 الزمر، 39/53
2 ابن ماجه، إقامة الصلوات، 191
3 مسلم، الصلاة، 222
4 أبو داؤود، الوتر، 26
المديرية العامة للخدمات الدينية
