آدابُ الْعُرْسِ
باَرَك اللهُ لَكُم فِى جُمُعَتِكُمْ إخوانيَ الأعزاء!
زَوَّجَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ صلى الله عليه وسلم في الْعاَمِ الثَّانِي لِلْهِجْرَةِ إلى المدينةِ ابْنَتَهُ فاطِمَةَ مِنْ ابنِ عَمِّهِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ. كان صَدَاقُ فَاطِمَةَ رضي اللهُ عنها عِبَارَةً عَنْ قِطْعَةٍ مِنَ الْمُخْمَلِ ووِعاَءِ مَاءٍ ووِسَادَةٍ مُمْتَلِئَةٍ بِالْأعْشَابِ ذاتِ الرَّوَائِحِ الْجَمِيلَةِ. وقَدْ كانت وَلِيمَةُ زَواجِ فاطِمَةَ رضي الله عنها مُتَواضِعَةً كما هُو الْحالُ في صَدَاقِهَا . وعَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذلك خاطَبَ الرَّسُولُ الْأعْظَمُ صلى الله عليه وسلم الْحُضُورَ قائِلاً "ماَ رَأيْناَ عُرْساً أَحْسَنَ مِنْ عُرْسِ فاَطِمَةَ" 1.
أيها المسلمون المحترمون!
الزَّواجُ هو أمْرُ اللهِ وسُنَّةُ نَبِيِّنا عليهِ الصلاةُ والسلامُ. وهو عِبارَةٌ عَنْ بِدايَةٍ ذاتِ قِيْمةٍ لِلْوُصُولِ إلى الرَّاحَةِ والسَّعَادَةِ والْبَرَكَةِ والْجَنَّةِ فِي الدُّنْيا والآخِرةِ. وكَمَا قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الزَّواجِ أنَّهُ وَسِيلَةٌ مِنْ أجْلِ "حِمَايَةِ نِصْفِ الدِّينِ" 2.
أماَّ أعْراسُنا الَّتِي تُعْتَبَرُ الْخَطْوَةَ الأولى لِلزَّوَاجِ فهِيَ الْمَرَاسِمُ الَّتِي تَتِمُّ بِحُضُورِ مُحِبِّينا بِدَعَواتِهِم وأُمْنِيَّاتِهِمُ الْجَمِيلَةِ. الأعراسُ هِي الْمَراسِمُ التي يُعْلَنُ مِنْ خِلالِها عَنْ تَأْسِيسِ الْعَائِلةِ وجَمْعِ عُمْرَيْنِ فِي مَكانٍ واحِدٍ. حَيْثُ يَتِمُّ تَقْوِيةُ الأمانِي وتَبادُلُ الأفْراحِ. ويَتمُّ التَّضَرُّعُ لِلَّهِ تعالى مِنْ أجْلِ الأجْيالِ الخَيِّرَةِ والصِّحَّةِ والألْفَةِ والرَّحْمَةِ.
إخواني الأعزاء!
كان الْحَبِيبُ المصطفى صلى الله عليه وسلم مِثالاً لِلْجَمِيعِ في كُلِّ حالٍ مِنْ أحْوالِهِ، فقَدْ كان يَدْعُوا لِمَنْ يَتَزَوَّجُ قائِلاً "بارَكَ للهُ فِي عُرْسِكَ" 3 وسَمَحَ بِقِيامِ الأعْراسِ والأفْراحِ التِي تَجْرِي ضِمْنَ حُدُودِ الْمَسْمُوحِ بِهِ مِنَ الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ. ومِنْ سُنَّةِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم بالأعراسِ أنْ تَكُونَ بَعِيدَةً عَنِ الرِّياءِ وطَلبَ أنْ تَكُونَ بَسِيطَةً ومُعْتَدِلَةً. لأنَّهُ مِنْ أهَمِّ مَعايِيرِ الإنْسانِ الْمُؤمِنِ هُو الإبْتِعادُ عَنِ التَّفْرِيطِ. حَيْثُ يَجِبُ على العَبْدِ عَدَمُ الإفْراطِ فِي السَّعادَةِ والْغَضَبِ والْحُزْنِ والْفَرَحِ.
أيها المؤمنون الأعزاء!
طَلبَ القرآنُ الكريمُ عَنِ المُؤمِنِينَ بِدَعْمِ بَعْضِهِمُ الْبَعْضَ عَنْ تَأسِيسِ العَائِلاتِ وقَدْ أنْبَأناَ النَّبِيُّ الكريمُ صلى الله عليه وسلم أنَّ اللهَ تعالى يُساعِدُ كُلَّ مَنْ عَقَدَ النِّيَّةَ على الزَّواجِ. لأنَّ الأساسَ فِي الإسلامِ هو تَيْسِيرُ الزواجِ. لأنه يَتَوَجَّبُ عَلَيْنا ألاَّ نَنْسَى الْقاعِدَةَ الأساسِيَّةَ "العُرْسُ الأكْثَرُ بَرَكَةً هُوَ الْأقَلُّ كُلْفَةً" 4 لأنه فِي أكْثرِ الحالاتِ يُؤدِّي لِلْخَسائِرِ المَادِّيَّةِ والْمَعْنَوِيَّةِ. الإسرافُ فِي مَصارِيفِ الأعراسِ فِي يَومِنا الْحالِي يَزِيدُ مِنْ مَشاكِلِ وهُمُومِ الْعائِلاتِ. يَسْتَصْعِبُ الشَّبابُ الرَّاغِبُ فِي الزَّواجِ بِسَببِ الْمَصارِيفِ الزَّائِدةِ وقَدْ يَدْفَعُهُمْ ذلك لِتَفَادِي الزَّواجِ. فَسَدادُ الدُّيُونِ لِفَتْرَةٍ طَوِيلةٍ بَعْدَ الزَّواجِ يُؤدِّي لِحُدُوثِ الْمَشاكلِ وعَدَمِ الرَّاحَةِ فِي السَّنَوَاتِ الأولى للزَّواجِ. مَعَ الْعِلْمِ أنَّ الأصالةَ فِي العُرْسِ هو العُرْسُ البَسِيطُ والحكمةَ فِي التَّواضُعِ.
أيها المؤمنون الأفاضل!
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ناصِحاً الصحابيَّ الذي تَزوَّجَ "أَوْلِمْ ولَوْ بِشَاةٍ" 5. لَكِنَّ الغايَةَ مِنْ ولائِمِ الأعْراسِ هو جَمْعُ الأصدِقاءِ والتآلُفُ ولا بُدَّ مِنْ مُراعاةِ عَدمِ تَحوُّلِ هذه الولائمِ إلى ولائمَ إسرافٍ ورياءٍ وبَهْرَجَةٍ لأنَّ النبيَّ الكريمَ صلى الله عليه وسلم أمَرَنا أنْ لا نُفَرِّقَ بَيْنَ الغَنِيِّ والفَقِيرِ وألا نَدْعُوَ الغَنِيَّ فَقَدْ دُونَ أنْ نَدْعُوَ الْفَقِيرَ لأن الوليمةَ التي لا يُدْعَى إليها الفَقِيرُ كما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هِي "أَسْوأُ وَلِيمَةٍ" 6.
أعزائي المسلمين!
يَتَوَجَّبُ علينا نَحْنُ المؤمنين الالْتِزامُ بالتَّصَرُّفاتِ الإسلاميةِ التي تَليقُ بِنَا خِلالَ مَراسِمِ الأعْراسِ والخِطْبَةِ والخِتَانِ. ويجِبُ الاعْتِدالُ فِي الأفراحِ وعدمُ التَّخلِّي عَنْ مَبادِئِ الإسلامِ. قال اللهُ تعالى في كتابه الكريم "يَٓا اَيُّهَا الَّذ۪ينَ اٰمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَٓا اَحَلَّ اللّٰهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواۜ اِنَّ اللّٰهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَد۪ينَ " 7.
لا يقومُ الإنسانُ المؤمنُ بالتَّراخِي والتَّراجُعِ عَنْ مبادئِهِ الدِّينِيَّةِ بِحُجَّةِ "سعادةِ الأطفالِ". ولا يَقُومُ أيضًا بِحُجَّةِ الْبَحْثِ عن السعادةِ بِاسْتِخْدامِ الْكُحُولِ التي تُذْهِبُ الْعَقْلَ أو اِسْتِخْدامِ الأسْلِحَةِ النَّارِيَّةِ التي تَقْضِي على السَّعادةِ وتُحَوِّلُها إلى حُزْنٍ ولا يَسْعَى لِتَخَطِّي حُدُودِ الخُصُوصِيَّةِ. ولا يَتَدَخَّلُ على حُقوقِ الآخَرينَ أثناءَ المَرَحِ ولا يُزْعِجُ الآخَرِين. ويَعِيشُ حياتَه وهُو مُدْركٌ أنَّ اللهَ تعالى يُراقِبُهُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ فِي حَياتِهِ. ويَشْكُرُهُ ويَسْعَى لِنَيْلِ رِضَاهُ.
إخواني!
تَكْثُرُ في هذه الفَتْرةِ الأفراحُ والأعْراسُ لذلك يَجِبُ عَلَيْنا الإبْتِعادُ عن كُلِّ تَصَرُّفٍ أو عَمَلٍ قَدْ يُؤثِّرُ على أفْراحِنا. وعدمُ الإسرافِ في المصاريف والإفراطِ في السفاهة وعدم الانغمار بحياة الترف والتصرفات التي تسيء إلينا. ويتوجب علينا ألا ننسى أن الحياة ليست عبارةً عن رَقْصٍ وفَرَحٍ. "وَمِنْ اٰيَاتِه۪ٓ اَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ اَنْفُسِكُمْ اَزْوَاجاً لِتَسْكُـنُٓوا اِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًۜ " 8.
دَعُونا نَجْعَلْ أعراسَنا فُرْصةً ووَسِيلةً لِشُكْرِ اللهِ تعالى.
1 ابن ماجه، النكاح، 24
2 البيهقي، شعب الإيمان 4، 382
3 مسلم، النكاح، 79
4 ابن حنبل، 5، 83
5 البخاري، النكاح، 69
6 البخاري، النكاح، 73
7 المائدة، 5/87
8 الروم، 30/21
المديرية العامة للخدمات الدينية
