صِفاتُ السّائِرينَ في طَريقِ الجَنَّةِ

 

بارَكَ اللهُ لَكُمْ في جُمُعَتِكُمْ إِخْوانِيَ الأعِزّاءُ!

يَقولُ اللهُ تَعالى في كِتابِهِ العَظيمِ: "وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"[1]. وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ قَالَ: "تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ"[2].

إِخْوانِيَ الأعِزّاءُ!

وَهَبَنا اللهُ تَعالى حَياتَيْنِ مُتَعاقِبَتِيْنِ: أَوَّلُهُما الحَياةُ الدُّنْيا الفانِيَةُ والقَصيرَةُ التي يَجِبُ تَحْويلُها إلى مَكْسَبٍ. وثانيهِما الحَياةُ الآخِرَةُ الأبَدِيَّةُ التي يَحيا فيها الإنْسانُ ولا يَموتُ. أَمَّا الحَياةُ الدُّنْيا فَهِيَ طَريقٌ شاقٌّ وِعَرٌ يَمْتَدُّ إلى الحَياةِ الآخِرَةِ، والحَياةُ الآخِرَةُ هي الحَياةُ التي نَحْصُدُ فيها ما نَزْرَعُهُ في الدُّنْيا دونَ زِيادَةٍ أو نُقْصانٍ، وفي هَذِهِ الحَياةِ إمَّا شَقاءٌ أو نَعيمٌ مُقيمٌ.

فَمَنْ يَعْمَلْ لِيَنْجَحَ في امْتِحانِ الدُّنْيا يَنَلْ رِضا اللهِ وَيَظْفَرْ بِالجَنَّةِ التي هَيَ دارُ النَّعيمِ الأبَدِيِّ. وَمَنْ يَفْشَلْ في هَذا الامْتِحانِ يَعَضُّ على أَصابِعِهِ حَسْرَةً وَنَدامَةً وَيَلْقى الخُسْرانَ المُبينَ في الآخِرَةِ.

إِخْوانِيَ الأكارِمُ!

إنَّ اللهَ تَعالى عَلَّمَنا في كِتابِهِ العَزيزِ الطَّريقَ الذي يَأْخُذُنا إلى الجَنَّةِ وَيَقينا عَذابَ جَهَنَّمَ. وَرَسولُنا الكَريمُ صلى الله عليه وسلم دَلَّنا عَلى هَذا الطَّريقِ مُمارَسَةً وتَطْبيقاً. وهَذا الطَّريقَ يَقودُ الإنْسانَ إلى فَلاحٍ أَبَدِيٍّ وَسَعادَةٍ سَرْمَدِيَّةٍ. فَتَعالَوْا في خُطْبَتِنا لِهَذا اليَوْمِ نَتَعَرَّفُ على خَواصِّ الرِّحْلَةِ إِلى الجَنَّةِ.

أيُّها المُؤْمِنونَ الأفاضِلُ!

لا يَسْتَطيعُ الإنْسانُ أنْ يَسْلُكَ طَريقَ الجَنَّةِ إلا بِالإيمانِ. فَالفَلاحُ السَّرْمَدِيُّ يَمُرُّ مِنَ الإيمانِ. وَالإيمانُ بِوُجودِ اللهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَرُسَلِهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ والقَضاءِ وَالقَدَرِ هُوَ أُولى شُروطِ الإيمانِ. فَالمُؤْمِنُ هُوَ الشَّخْصُ الذي يَسْتَسْلِمُ للهِ حُبَّاً وَطَوْعاً، وَيَكونُ صادِقاً في إيمانِهِ حَتَّى آخِرِ نَفَسٍ مِنْ حَياتِهِ، وَلا يَحيدُ عَنِ الاسْتِسْلامِ والإخْلاصِ للهِ حَتَّى لَوْ تَعَرَّضَ لِمَصائِبَ شَتّى في هَذا الطَّريقِ.

إِخْوانِي!

إنَّ شَرْطَ التَّقَدُّمِ في الطَّريقِ المُؤَدّي إلى الجَنَّةِ هُوَ الإيمانُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ. فَكَما أَنَّ الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ وَالزَّكاةَ وَالأُضْحِيَةَ الخالِصَةُ عِباداتٌ يُثابُ عَلَيْها العَبْدُ، فَكَذَلِكَ الأَعْمالُ الصَّالِحَةُ التي لا يَبْتَغي بِها العَبْدُ إلا وَجْهَ اللهِ تَعالى عِباداتٌ يُثابُ عَلَيْها. فَالعِبادَةُ تَعْني كذلِكَ أَنْ نُحْسِنَ مُعامَلَةَ الوالِدَيْنِ وَالأزْواجِ وَالأوْلادِ وَالجيرانِ وَالأقارِبِ وَالكائِناتِ كُلِّها. وَالعِبادَةُ أنْ نَتَعاوَنَ في تَيْسيرِ الحَياةِ، وَنَتَعاوَنَ مَعَ إِخْوانِنا وَنَتَقاسَمَ مَعَهُمْ ما نَمْلِكُ مِنَ النِّعَمِ والإمْكاناتِ. وَالعِبادَةُ تَعْني أَنْ نَكونَ يَداً لِمَنْ لَيْسَ لَهُ يَدٌ، وَلِساناً لِمن لَيْسَ لَهُ لِسانٌ، وَرِجْلاً لِمَنْ لا يَسْتَطيعُ السَّيْرَ. وَالعِبادَةُ في نِهايَةِ المَطافِ هِيَ الأمْرُ بِالمَعْروفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ.

أيُّها المُؤْمِنونَ الأعِزّاءُ!

إنَّ سُلوكَ الطَّريقِ المُؤَدّي إلى الجَنَّةِ، والارْتِقاءَ في مَدارِجِهِ؛ يَتَحَقَّقُ بِالأخْلاقِ الحَسَنَةِ والإخْلاصِ للهِ تَعالى وَالنُّصْحِ لِأَنْفُسِنا وَمُحيطِنا، وَالتَّمَسُّكِ بِالصِّدْقِ والاسْتِقامَةِ، وَالوفاءِ بِالعَهْدِ، وَرِعايَةِ الأمانَةِ، فَالمُؤْمِنُ الذي يَصِفُهُ رَسولُ اللهِ (ص) بِقَوْلِه: "المُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَ النّاسُ مِنْ يَدِهِ وَلِسانِهِ" لا يُمْكِنُهُ أنْ يُؤْذيَ أَحَداً، وَلا يَضَيِّعُ عُمُرَهُ هَباءً في أَقْوالٍ وَأَفْعالٍ وَمَواقِفَ تَمُسُّ كَرامَةَ الإنْسانِ الذي خَلَقَهُ اللهُ مُكَرَّماً. وَالمُؤْمِنُ يَتَّخِذُ الأخْلاقَ الحَميدَةَ شِعاراً لِنَفْسِهِ عَمَلاً بَحَديثِ رَسولِ اللهِ (ص): "إِذا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ ما شِئْتَ"[3].

إِخْواني!

أوَدُّ أَنْ أَخْتِمَ خُطْبَتي بِهَذا الدُّعاءِ: "اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُّ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ"[4].

اللَّهُمَّ لا تُمَكِّنِ الذينَ يَسْتَهْدِفونَ وَطَنَنا وَشَعْبَنا وَوَحْدَتَنا مِنْ مَآرِبِهِمْ. اللَّهُمَّ إنّا نَسْأَلُكَ الرَّحْمَةَ على شُهَدائِنا الكِرامِ الذينَ ضَحّوا بِأَنْفُسِهِمْ في سَبيلِ قِيَمِنا، وَالشِّفاءَ العاجِلَ لِغُزاتِنا. اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنَ الذينَ يَلْتِزمونَ بِالقِيَمِ العالِيَةِ التي ضَحّى مِنْ أَجْلِها الشُّهَداءُ بِأَرْواحِهِمْ وَيُحافِظونَ عَلَيْها!.


________________________________

[1] آل عمران، 3/ 133.

[2]  ابن ماجه، الزهد، 29.

[3]  البخاري، أحاديث الأنبياء، 54.                

[4]  ابن ماجه، الدعاء، 4.  

من إعداد المديرية العامة للخدمات الدينية

إرسال تعليق

أحدث أقدم