أَطْفاَلُناَ آمالُ مُسْتَقْبَلِناَ


التاريخ

أَطْفاَلُناَ آمالُ مُسْتَقْبَلِناَ

باَرَكَ اللهُ فِي جُمُعَتِكُمْ أيُّهاَ الْمُؤْمِنُونَ الأعِزاَّءُ!

كاَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذاَ أَهْداَهُ أَحَدٌ هَدِيَّةً يُحِبُّ أنْ يَتَقاَسَمَهاَ مَعَ الْمُتَواَجِدِينَ حَوْالَهُ بَدْءاً مِنَ الْيَمِينِ. فِي إحْدَى الأَياَّمِ اِلْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ الْيَمِينِ لِيَبْدَأَ بِتَوْزِيعِ الشَّراَبِ الَّذِي جاَءَهُ هَدِيَّةً فَوجَدَ عَلَى يَمِينِهِ ابْنَ عَمِّهِ عبدَ اللهِ بن عباسٍ الذِي كانَ طِفْلاً فِي تِلْكَ الآوِنَةِ ولمَّا نَظرَ إلى يَساَرِهِ وَجَدَ كِبارَ السِّنِّ مِنَ الصَّحابَةِ مُصْطَفِّينَ هُناكَ. لمْ يَشأْ النبيُّ الكريمُ صلى الله عليه وسلم كَسْرَ خاطِرِ الطِّفْلِ فَسألَهُ "أَتَأْذَنُ لِي أنْ أَبْدَأَ بِهؤُلاءِ كِبارِ السِّنِّ؟". فكانَ جوابُ الطِّفلِ ذَكِياًّ لِلْغاَيَةِ. رَدَّ عَليهِ قائِلاً "لا، واللهِ لا أُفَضِّلُ أحداً عَلَى نَصِيبِي الَّذِي سَيأْتِينِي مِنْكَ. فقاَمَ النبِيُّ عليه الصلاة والسلامُ بِالْبَدْءِ بِالتَّوْزِيعِ مِنَ الطِّفْلِ 1.

أيُّها المؤمِنُونَ الأعِزاَّءُ!

كاَنَ النبِيُّ الكرِيمُ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ دائِماً يُخَصِّصُ مَكاناً لِلْأطْفالِ فِي الْمَجْلِسِ والمَسْجِدِ وكانَ يُشْعِرُهُمْ بِقِيْمَتِهِمْ وكانَ يَنْظُرُ إليْهِمْ بِعَيْنِ "باَلِغِي الْمُسْتَقْبَلِ" وسَعَى داَئِماً لِحِمايَةِ حُقُوقِهِمْ. لأنَّ الطِّفْلَ وَكماَ هو مَذْكُورٌ فِي القُرآنِ "زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْياَ" 2، وهُو كَماَ قالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ اَلطِّفْلُ هُو مَوْرِدُ الْخَيْرِ الذي يَدَعُ دَفْتَرَ الأعْماَلِ مَفْتُوحاً 3. الطِّفْلُ بَرَكَةُ مَنْزِلِهِ وأُمِّهِ ومُسْتَقْبَلُ الْمُجْتَمَعِ. ويُعْتَبَرُ جَوابَ الدُّعاءِ " رَبِّ هَبْ ل۪ي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةًۚ " 4 هُو الْجَواَبُ الإلهِيُّ.

إِخوَتِي!

كُلُّناَ مَسْئُولُونَ أَمامَ اللهِ تعالى وتِجاهَ بَعْضِناَ الْبَعْضَ وتِجاهَ الْبِيئَةِ الَّتِي نَعِيشُ فِيهاَ. ومِنْ إِحْدَى أهَمِّ مَسْئُولِياَّتِناَ تِلْكَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِأطْفاَلِناَ. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا" 5 مُنَوِّهاً لِأَهَمِّيَّةِ ذلِكَ. لِأنَّ الطِّفْلَ وعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ صَغِيرٌ لكِنَّ لَهُ حُقُوقاً لا يَجِبُ الْإِسْتِخْفاَفُ بِهاَ. ويَتَوَجَّبُ عَلَيْنا نَحْنُ الْباَلِغِينَ حِماَيَةُ حُقُوقِ الأطْفالِ الَّذِينَ يُعْتَبَرُونَ أَمانَةَ اللهِ لَناَ.

بِغَضِّ النَّظَرِ إِنْ كانَ الطِّفْلُ ذَكراً أَمْ أُنْثَى لا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الطِّفْلِ الْواَفِدِ إلى الدُّنْياَ بِكُلِّ صَدْرٍ رَحْبٍ واسْتِقْباَلِهِ بِالْحُبِّ والْأَدْعِيَةِ. ولا بُدَّ مِنْ اِخْتِياَرِ الْإسْمِ الْمُناَسِبِ لَهُ والْإهْتِماَمِ بِهِ كَماَ يَسْتَحِقُّ وعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ وبَيْنَ إخْوَتِهِ والتَّصَرُّفِ بَيْنَهُمْ بِشَكْلٍ عاَدِلٍ.

ويَتَوَجَّبُ عَلَيْناَ تَغْذِيَةُ أَطْفالِناَ بِالْأَغْذِيَةِ الصِّحِّيَّةِ وِالْحَلالِ وتَلْبِيَةِ اِحْتِياَجاَتِهِمْ الْمَعْنَوِيَّةِ وعَدَمِ اقْتِصاَرِ ذَلكَ عَلى الْإحْتِياجاتِ الْماَدِّيَّةِ فَقَط. ويَتَوَجَّبُ عَلَيْناَ تَعْرِيفُهم بالحياةِ الإجْتِماعِيَّةِ وإرْشادُهُمْ لِتَأْمِينِ تَأَقْلُمِهِمْ مَعَ ثَقاَفَتِهاَ وعُرْفِها وعادَاتِها وتَقاَلِيدِها. لِأنَّ عَمَلِيَّةَ تَطَوُّرِ الطِّفْلِ مِنَ النَّاحِيَةِ الثَّقاَفِيَّةِ والْإجْتِماعِيَّةِ وعَمَيِلَّةَ التَّعْلِيمِ الْجَسَدِيِّ والذِّهْنِيِّ والتَّرْبِيَةَ الدِّينِيَّةَ والأخْلاقِيَّةَ تَبْدَأُ مِنَ الْعاَئِلَةِ. سَيَكُونُ النسلُ الطيب  آملُ مستقبلِنا مِنْ آثارِ الأُمَّهاتِ والْآبَاءِ الْواَعِينَ. دَعُوناَ لا نَنْسَ أنَّ الطِّفْلَ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ على حُقُوقِهِ لا يَعْرِفُ قِيْمَةَ الْعَداَلَةِ. الطِّفْلُ الَّذِي تَعَرَّضَ لِلضَّرْبِ والطِّفْلُ الذي تَعَرَّضَ لِلْمُعاَمَلَةِ السَّيِّئَةِ لا يَعْرِفُ مَعْنَى الرَّحْمَةِ. والطِّفْلُ الذي تَعَرَّضَت شَخْصِيَّتُهُ لِلزَّعْزَعَةِ لَنْ يَسْتَطِيعَ بِناءَ شَخْصِيَّةٍ مَتِينَةٍ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

أيُّها المُسْلِمُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!

دَلِيلُناَ فِي تَرْبِيَةِ الطِّفلِ والتَّواَصُلِ مَعَهُ بِالطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ هُو نَبِيُّناَ الكريمُ صلى الله عليه وسلم. كانَ يَحْتَرِمُ الشَّرَفَ الذي يَحْمِلُهُ الطِّفْلُ كَإِنْساَنٍ باَلِغٍ. كانَ يُشْعِرُهُمْ بِأنَّهُمْ أصحابُ قِيْمَةٍ. وكانَ يُسَلِّمُ عَلَيهِمْ ويَسْألُهُمْ عَنْ حالِهِمْ كُلَّماَ مَرَّ بِجاَنِبِهِمْ 6 وكانَ يَرُدُّ على أَسْئِلَتِهِمْ. وكان يُقَبِّلُهُمْ ويُعاَنِقُهُمْ دُونَ أنْ يَخْجَلَ مِنْ أي أَحدٍ وكان يُشارِكُهُمْ فى أَلْعاَبِهِمْ.

نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوْجِيهَ الكلامِ السَّيِّءِ للأطفالِ أو لَعْنَهُمْ. وكانَ يَدْعُو لِكُلِّ طفلٍ يَجِيئُهُ أو يَجْلِسُ في حُجْرِهِ. وكان يَهْتَمُّ بِتَعْلِيمِ الْعِبادَةِ لِلْأطفاِل، ولَمْ يَقُمْ أبداً بِإبْعاَدِهِمْ عَنِ الْمَساَجِدِ وذلك في سَبِيلِ تَرْبِيَةِ نَسْلٍ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَساجِدِ ويَعْرِفُ الْمَعْنَي الْحَقِيقِيَّ لِلْعِبادَةِ.

أيُّها المُسلِمُونَ الْمُحْتَرَمُونَ! الأعزاء!

دَعُوناَ نُصْغِ إلى النبيِّ الكريمِ صلى الله عليه وسلَّمَ الذي قال " ما نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ" 7. دَعُوناَ نَتَّخِذْهُ قُدْوَةً لَناَ ونُطَبِّقْ ما قاَمَ بِهِ مِنَ الشَّفْقَةِ والْحَقاَّنِيَّةِ والصَّبْرِ والتَّساَمُحِ. فَلْنَكُنْ وَسِيلَةً لِفَتْحِ أبْوابِ السَّلامِ لِأطْفاَلِناَ فِي الدُّنْياَ والآخِرَةِ.

قال النبيُّ لُقْماَنُ عليهِ السلامُ عِنْدَماَ كانَ يَنْصَحُ ابنَهُ " يَا بُنَيَّ اَقِمِ الصَّلٰوةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلٰى مَٓا اَصَابَكَۜ اِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْاُمُورِۚ "8. ويَتَوَجَّبُ عَلَيْناَ نَحْنُ أيْضاً اَلْإِلْتِزامُ بِذلِكَ ودعْمُ أطفالِنا.

أَخْتِمُ خُطْبَتِي هذِهِ بِدُعاءٍ مِنَ الْقُرْآنِ " رَبَّـنَا هَبْ لَنَا مِنْ اَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ اَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّق۪ينَ اِمَاماً "9.

 

1 مسلم، أشربة، 127

2 الكهف، 18/46

3 مسلم، الوصية، 14

4 آل عمران، 3/38

5 مسلم، الصوام، 183

6 مسلم، السلام، 14

7 بر الترمزي، 33، ابن حنبل، 4، 77

8 لفمان، 31/17

9 الفرقان 25/74

 

المديرية العامة للخدمات الدينية

إرسال تعليق

أحدث أقدم