شَهْرُ مُحَرَّم وَكَرْبَلَاء

 


شَهْرُ مُحَرَّم وَكَرْبَلَاء

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!

إِنَّنَا نُدْرِكُ الْعَامَ 1444 مِنَ التَّقْوِيمِ الْهِجْرِيِّ وَالَّذِي يَبْدَأُ بِشَهْرِ مُحَرَّمٍ. وَمُحَرَّمٌ هُوَ شَهْرٌ مَلِيءٌ بِالرَّحْمَةِ وَالْحِكْمَةِ وَقَدْ وَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بِالشَّهْرِ الْجَدِيرِ بِالاِحْتِرَامِ"[1]. وَأَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَرَكَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ لِهَذَا الشَّهْرِ بِقَوْلِهِ: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ"[2]. وَقَدْ أَوْصَى أُمَّتَهُ بِصِيَامِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ يَوْمَ عَاشُورَاء وَصِيَامِ الْيَوْمِ الَّذِي يَسْبِقُهُ أَوِ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهُ.[3]

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!

إِنَّ مُحَرَّمَ هُوَ أَيْضًا ذِكْرَى كَرْبَلَاءَ الْحَزِينَة... وَهُوَ الشَّوْقُ لِرَشْفَةِ مَاءٍ فِي الصَّحْرَاءِ... وَهُوَ مَوْسِمُ الشَّوْقِ وَالْحَسْرَةِ الَّذِي تَمْتَلِئُ فِيهِ الْقُلُوبُ بِحُبِّ آَلِ الْبَيْتِ وَتَقُولُ: "آهٍ يَا حُسَيْنِيّ"... وَهُوَ دُمُوعُ الْوَقْتِ الَّذِي اُسْتُشْهِدَ فِيهِ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ سَيِّدُنَا الْحُسَيْنُ وَمَنْ مَعَهُ بِكُلِّ وَحْشِيَّةٍ وَقَسْوَةٍ.

إِنَّ سَيِّدَنَا الْحُسَيْن هُوَ حَفِيدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُبُّهُ وَآلُ بَيْتِهِ. وَهُوَ قِطْعَةٌ مِنْ سَيِّدِنَا عَلِي اَلْمُرْتَضَى وَسَيِّدَتِنَا فَاطِمَةَ اَلزَّهْرَاءَ. وَهُوَ الشُّجَاعُ الَّذِي اِحْتَضَنَهُ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَقَالَ فِيهِ: "زَهْرَتِي وَرَيْحَانَتَيْ فِي الدُّنْيَا"[4] وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ[5]. وَسَيِّدُنَا اَلْحُسَيْنُ هُوَ الْمُمَثِّلُ الْمِثَالِيُّ لِأَخْلَاقٍ رَفِيعَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِوَقْفَةِ مُشَرِّفَةٍ تَتَجَاوَزُ الْعُصُورُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!

إِنَّ كَرْبَلَاءَ هِيَ الْأَلَمُ الْمُشْتَرَكُ لِلْأُمَّةِ أَجْمَع، بِاخْتِلَافِ مَذَاهِبِهَا وَطَوَائِفِهَا وَأَفْكَارِهَا. وَهِيَ وَجَعٌ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيُحِبُّ آلَ الْبَيْتِ. فَحُبُّ أُمَّتِنَا لِآلِ الْبَيْتِ يَتَزَايَدُ عَلَى مَرِّ الْقُرُونِ وَعِشْقُهَا لِأَبْنَاءِ النَّبِيِّ يَمْلَأُ قَلْبُهَا، حَيْثُ أَنَّ فِي كُلِّ بَيْتٍ تَقْرِيبًا يُوجَدُ هُنَاكَ حَسَنٌ أَوْ حُسَيْنٌ أَوْ عَلِيٌّ أَوْ فَاطِمَة. وَلَا تَزَالُ أُمَّتُنَا تَشْعُرُ بِهَذَا الْحُبِّ فِي أَعْمَاقِ قُلُوبِهِا.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!

إِنَّنَا الْيَوْم وَبَيْنَمَا نَعِيشُ حَادِثَةَ كَرْبَلَاء، عَلَيْنَا أَيْضًا أَنْ نَقْرَأَ كَرْبَلَاءَ بِعَيْنِ الْعِبْرَةِ وَأَنْ نَأْخُذَ مِنْهَا الدُّرُوسَ حَتَّى لَا نَشْهَدُ مِثْلَ هَذِهِ الْمَأْسَاةِ مَرَّةً أُخْرَى.

فَالدَّرْسُ الْأَوَّلُ الَّذِي نَسْتَخْلِصُهُ مِنْ كَرْبَلَاء؛ هُوَ جَعْلُهَا وَسِيلَةً لِلتَّوْحِيدِ وَالْأُخُوَّةِ وَلَيْسَ لِلتَّفْرِقَةِ وَالْخِدَاعِ وَتَحْوِيلِهَا إِلَى وَحْدَةِ الْقُلُوبِ. وَمُشَارَكَةِ اَلْأَفْرَاحِ وَالْأَتْرَاحِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمَشَقَّاتِ. وَالتَّشَبُّثِ وَالْإِصْغَاءِ لِأَمْرِ رَبِّنَا الْعَظِيمِ: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذ۪ينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَٓاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُۜ وَاُو۬لٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظ۪يمٌۙ..."[6] وَالتَّمَسُّكِ بِالْوَحْدَةِ ضِدَّ الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ وَالتَّفْرِقَةِ وَعَدَمِ إِعْطَاءِ الفُرْصَة لَمِنْ يُحَاوِلُ الْإِسَاءَةَ لِإِخْوَانِنَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!

أَمَّا الدَّرْسُ الْآخَرُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ نَتَعَلَّمَهُ مِنْ كَرْبَلَاء هُوَ أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي ضَحَّى سَيِّدُنَا الْحُسَيْنُ وَرِفَاقُهُ بِأَرْوَاحِهِمْ فِي سَبِيلِهِ هُوَ طَرِيقُ نَبِيِّنَا الْحَبِيبِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَنْ نُرَاعِيَ أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا عَلِي كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَأَنْ نَكُونَ أَكْثَرَ حَسَاسِيَةً بِمَوْضُوعِ الصَّلَاةِ وَأَنْ نَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِالصَّلَاةِ. وَأَنْ نَفْهَمَ وَنَعِيشَ شُرُوطَ الْإِسْلَامِ وَأَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيهُ بِالشَّكْلِ الصَّحِيحِ مِثْلَ سَيِّدِنَا اَلْحُسَيْنِ. وَأَنْ نُقَدِّسَ الْحَقَّ وَالْعَدَالَةَ وَالْمَحَبَّةَ وَالشَّفَقَةَ وَأَنْ نَمْنَعَ الشَّرَّ وَنَنْشُرَ الْخَيْرَ. وَأَنْ نَكُونَ فِي عَلَاقَاتِنَا الْإِنْسَانِيَّةِ مُتَوَاضِعِينَ كَالتُّرَابِ وَأَنْ نَنْظُرَ لِلْجَمِيعِ بِنَفْسِ النَّظْرَةِ وَأَنَّ لَا نَعِيبَ أَحَدًا كَمَا نَصَحَ الْوَلِيُّ الْكَبِيرُ كَاتِبَ الْمَقَالَةِ. وَأَنَّ لَا نَقَعَ بِمَكَايِدِ الدُّنْيَا وَأَنْ نَسْعَى دَائِمًا لِنَيْلِ رِضَا الْحَقِّ. وَأَنْ نَقِفَ بِحَزْمٍ فِي وَجْهِ الظُّلْمِ وَالْقَهْرِ وَأَنْ نَسْعَى لِلشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ تَطَلَّبَ الْأَمْرُ.

وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ وَبِخَالِصِ الشُّكْرِ وَالِامْتِنَانِ أَسْتَحْضِرُ ذِكْرَى سَيِّدِنَا الْحُسَيْنِ وَآلِ بَيْتِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمِيعِ شُهَدَائِنَا الَّذِينَ ضَحَّوْا بِأَرْوَاحِهِمْ فِي سَبِيلِ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ وَالْوَطَنِ وَالْمُقَدَّسَاتِ وَأَسْأَلُ اللَّهَ لَهُمْ جَمِيعًا الرَّحْمَةُ وَالْمَغْفِرَةُ.



[1] صَحِيحُ مُسْلِمٍ، كِتَابُ الصِّيَامِ، 203.

[2] صَحِيحُ مُسْلِمٍ، كِتَابُ الصِّيَامِ، 202.

[3] مَسْنَدُ أَحْمَد، الْجُزْءُ الْأَوَّل، 240.

[4] جَامِعُ التِّرْمِذِي، كِتَابُ الْبِرّ، 11.

[5] جَامِعُ التِّرْمِذِي، كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، 30.

[6] سُورَةُ اٰلِ عِمْرٰنَ، 3/105.

اَلْمُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّةِ

إرسال تعليق

أحدث أقدم