آداب الجمعة والجماعة



آدابُ الْجُمُعَةِ وَالْجَماعَةِ

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!

كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ هُوَ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أُرْسِلَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. فِي ذَلِكَ الصَّبَاحِ لَمْ يسْتَطِعِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  الذَّهَابَ إِلىَ الْمَسْجِدِ بِسَبَبِ مَرَضِهِ. فَتَحَ نَافِذَةَ مَنْزِلِهِ الْمُطِلَّةِ عَلَى الْمَسْجِدِ وَشَاهَدَ لِفَتْرَةِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ اصْطَفَوْا لِصَلَاةِ الْفَجْرِ.ِ وَعِنْدَمَا رَأَى الصَّحَابَةَ الْكِرَامِ الَّذِينَ وَقِفُوا خَلْفَ الْإِمَامِ الصَّحَابِيِّ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَرَأَى الْخُشُوعَ الَّذِي سَادَهُمْ فَتَبَسَّمَ 1.

أَيُّهَا   الْمُسْلِمُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!

اَلْمَسْجِدُ الَّذِي يَمْنَحُنَا الرَّاحَةَ وَالْأَمَانَ وَالَّذِي يَجْمَعُنَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رَمْزِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ رَمْزِ وَحْدَتِنَا وَنَشَاطِنَا. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  عَنِ الْمَسَاجِدِ " أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا " 2.

إِنَّهَا الْمَسَاجِدُ الْمُقَدَّسَةُ الَّتِي تُنَادِي الْإِنْسَانِيَّةَ مِنْ خِلَالِ الْأَذَانِ إِلَى النَّجَاةِ، الَّتِي أَعْلَنَتْ بِمِحْرَابِهَا الْحَرْبَ ضِدَّ الْكُفْرَ وَالْجَهَالَةَ، الَّتِي زَادَتْ بِمِنْبَرِهَا مِنْ مَقَامِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، الَّتِي دَعَّمَتْ مَفْهُومَ الْأُخُوِّةِ وَمَفْهُومَ الْأُمَّةِ مِنْ خِلَالِ صُفُوفِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي رَابَطَتْ كَتِفًا إِلَى كَتِفٍ.

أَمَّا بِالنَّسْبَةِ لِلْجَمَاعَةِ فَهُوَ الْاِسْمُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُجْتَمِعِينَ مَعَ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ لِلصَّلَاةِ مِنْ أَجْلِ اللهِ تَعَالَى. اَلْجَمَاعَةُ هُوَ مَفْهُومٌ دِينِيٌ وَجَدَ مَكَانَتَهُ فِي حَضَارَتِنَا. لَكِنْ وَلِلْأَسَفِ هُنَاكَ جَمَاعَةٌ قَامَتْ بِاسْتِغْلَالِ جَمِيعَ مَبَادِئِنَا وَقِيَمِنَا الدِّينِيَّةِ مِمَّا سَاهَمَ بِالتَّأْثِيرِ سَلْبِيًّا عَلَى مَفْهُومِ الْجَمَاعَةِ. حَيْثُ سَعَتْ هَذِهِ الْجَمَاعَةُ إِلَى اسْتِمْلَاكِ مَفْهُومِ الْجَمَاعَةِ وَلَصَّقَهُ بِنَفْسِهَا مِمَّا أَدَّى إِلَى اسْتِخْدَامِ هَذَا الْمَفْهُومِ الَّذِي يَعْتَبِرُ رَمْزَ التَّوْحِيدِ وَالْوَحْدَةِ لِلدَّلَالَةِ إِلَى الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ وَالْخِيَانَةِ وَالْاِنْفِصَالِ. لَكِنْ مَفْهُومُ الْجَمَاعَةِ فِي عَادَاتِنَا وَتَقَالِيدِنَا هُوَ الْاِلْتِحَامُ بِمَبْدَأِ التَّوْحِيدِ وَالْوُصُولِ إِلَى الْوَحْدَةِ وَالْحُصُولِ عَلَى الْحَيَاةِ. وَتَشْمَلُ كَلِمَةُ الْجَمَاعَةِ كَمَفْهُومٍ مِنْ هَذَا الْاِتِّجَاهِ جَمِيعَ مُكَوَّنَاتِ الْمُجْتَمَعِ مِنَ النَّسَاءِ وَالرَّجَالِ وَالْكِبَارِ فِي السِّنِّ وَالشَّبَابِ وَالْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمُعَاقِينَ وَالسَّلِيمِينَ بِمُخْتَلَفِ أَعْمَارِهِمْ.

أَيُّهاَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!

وَلَا شَكَّ هُنَاكَ بَعْضُ قَوَاعِدَ وَآدَابٍ مِنْ أَجْلِ التَّوَاجُدِ فِي الْمَسَاجِدِ وَمِنْ أَجْلِ جَمَاعَةِ الْمَسَاجِدِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ مِنْ أَجْلِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَذْهَبُ لِلْمَسْجِدِ لِنَقَاءِ الْقَلْبِ " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ....." 3 حَيْثُ تَدْعُونَا هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ لِلْاِعْتِنَاءِ بِنَظَافَةِ الْجِسْمِ وَالتَّوَضُّؤِ بِشَكْلٍ ٍجَيِّدٍ. وَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ أَمْرٍ آخَرَ أَلَا وَهُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ عِنْدَ مُرَاعَاةِ نَظَافَةِ الْمَلَابِسِ حَيْثُ يَعْتَبِرُ هَذَا الْأَمْرُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِشُرُوطِ الصَّلَاةِ. أَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 4 أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَضْلٌ أَكْثَرَ بِسَبْعٍ ٍوَعِشْرِينَ مَرَّة، وَلِمَنْ يَرْغَبُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحُصُول هَذَا الثَّوَابِ الَّذِي أَبْشَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْرِكُ أَنَّ أَكْلَ الْمَأْكُولَاتِ ذَاتِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَالذَّهَابُ إِلَى الْمَسْجِدِ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ 5. يُدْرِكُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ يَتَوَجَّبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَطَّرَ وَأَلَّا يُزْعِجَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَضَرُورَةَ الْاِبْتِعَادِ عَنِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَعِيقُ مَنْ يُصَلِّي بِخُشُوعٍ وَيُرَاعِي أَلَّا يُخِلَّ بِحُقُوقِ الْعَبْدِ الَّذِي يَفِي بِمُهِمَّةِ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى. حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَلْجَمَاعَةَ مِنْ خِلَالِ الْحَدِيثِ التَّالِي " أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا  " 6.

إِخْواَنِي!

اَلْإِيمَانُ هُوَ أَهَمُّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا. اَلْإِيمَانُ هُوَ   اَلْإِيمَانُ مِنَ الَقَلْبِ بِاللهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ. وَهُوَ تَصْدِيقُ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ الَّتِي أَبْلَغَنَا بِهَا رَسُولُ الرَّحْمَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقَلْبِ وَالْإِقْرَارِ بِهَا بِاللِّسَانِ. وَهِيَ التَّسْلِيمُ بِالْاِرْتِبَاطِ بِاللهِ تَعَالَى بِالصَّدْقِ.

أَيُّها الْمُسْلِمُونَ الْأَفاَضِلُ!

تَدْعُو الْخُطَبُ وَالدُّرُوسُ الْمُلْقَاةُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي تَعْتَبِرُ مِنْ مَرَاكِزِ الْعِلْمِ، تَدْعُو الْإِنْسَانِيَّة إِلَى الْعِرْفَانِ وَالْأَخْلَاقِ. وَكَمَا لِلْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَةِ آدَابٌ لِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ أَيْضًا آدَابٌ. اَلْاِسْتِمَاعُ إِلَى الْخَطِيبِ أَثْنَاءَ قِرَاءَتِهِ لِلْخُطْبَةِ وَاجِبٌ دِينِيٌ. يُؤَدِّي الْحَدِيثُ مَعَ الْآخَرِينَ أَوِ الْاِشْتِغَالُ بِأَشْيَاءٍ أَخَرَ أَوِ الْاِشْتِغَالُ بِالْهَاتِفِ أَثْنَاءَ قِرَاءَةِ الْخُطْبَةِ إِلَى الْاِبْتِعَادِ عَنْ خُلَاصَةِ الْخُطْبَةِ وَعَدَمِ وَعْيِ الرِّسَالَةِ الَّتِي تُقَدِّمُهَا وَالْحِرْمَانِ مِنَ الثَّوَابِ. وَقَدْ وَضَّحَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِهِ حَسَّاسِيَّةَ الْمُؤْمِنِ خِلَالَ الْخُطْبَةِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ " إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ" 7.

إِخْوَانِيَ الْأَعِزَّاء!

 نَجْتَهِدْ أَنْ نُحْيِيَ فِي مَسَاجِدِنَا بِالصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ. وَ أَنْ نَتَدَفَّقَ إِلَى الْمَسَاجِدِ و أَنْ نَعُودَ أَطْفَالَنَا عَلَيْهَا كَمَا كَانَ الْحَالُ عَلَيْهِ فِي عَصْرِ السَّعَادَةِ عَصْرِ الرَّسُولِ الْأَكْرَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَ أَنْ نَشْرَحَ لَهُمْ أَهَمِّيَةَ الْمَسَاجِد وَالْجَماعَةِ بَدَلَ أَنْ نُبْعِدَهُمْ عَنْهَا بِغَيْرِ مُطِيعِهِمْ  لِأَنَّهُمْ أَطْفَالٌ وَتُبَدِّرُ مِنْهُمْ أَفْعَالٌ طُفُولِيَّةٌ، دَعُونَا نُعَلِّمْهُمْ آدابَ الْمَسَاجِدِ. دَعُونَا نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ نَحْتَرِمْ مَسَاجِدَنا الَّتِي ارْتَبَطَتْ بِهَا قُلُوبُنَا. دَعُونَا نَنْصِتْ أَثْنَاءَ إِلْقَاءِ الْخُطْبَةِ أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. لَا بُدَّ مِنَ الْوَضْعِ بِعَيْنِ الْاِعْتِبَارِ أَنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهَا جُزْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ. يَتَوَجَّبُ عَلَيْنا تَوْجِيهُ أَنْفُسِنَا وَمَشَاعِرِنَا تِجَاهَهَا. دَعُونَا نَسْتَمِعْ لِأَجْمَلِ الْكَلَامِ وَنُصْبِحْ مِمَّنْ يَتَّبِعُهُ. وَنُدْرِكْ أَنَّنَا مَوْجُودِينَ فِي الْمَسَاجِدلِلْعِبَادَةِ.

 

1 البخاري، الأذان، 46، مسلم، الصلاة، 98

2 مسلم، المساجد، 288

3 الأعراف، 7/31

4 مسلم، المساجد، 51

5 البخاري، الاتسام، 24

6 أبو داؤود، التطوع

7 البخاري، الجمعة، 36

المديرية العامة للخدمات الدينية


إرسال تعليق

أحدث أقدم