ألجِهادُ فيِ سَبيلِ اللهِ بِالنَّفْسِ والمْاَلِ



ألجِهادُ فيِ سَبيلِ اللهِ بِالنَّفْسِ والمْاَلِ

بارَكَ اللهُ لَكُمْ في جُمُعَتِكُمْ إِخْوانيَ الأعِزّاءُ!

جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَالَهُ؟. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا شَيْءَ لَهُ". فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا شَيْءَ لَهُ"، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ"[1].

أيُّها المُؤْمِنونَ الأعِزّاءُ!

الجِهادُ هُوَ بَذْلُ الجُهْدِ والطّاقَةِ في سَبيلِ اللهِ وَالحَقِّ. وَالجِهادُ يَعنْي أنْ يُضَحِّيَ المُؤْمِنُ بِكُلِّ ما يَمْلِكُ لِنَيْلِ رِضا اللهِ تَعالى، وَأَنْ يَكونَ عازماً عَلى حِمايَةِ المُقَدَّساتِ بَجَسَدِهِ وَلِسانِهِ وَعَقْلِهِ وَقَلْبِهِ. 

الجِهادُ ليس بَذْلَ الجُهْدِ في سَبيلِ الظُّلْمِ أوِ الاسْتِعْمارِ أوِ القِيامِ بِهُجومٍ غاشِمٍ. بَلْ عَلى العَكْسِ، الجِهادُ يَعْني أَنْ يَعْزِمَ المُسْلِمُ على حِمايَةِ عَقيدَتِهِ وَعَلَمِهِ وَاسْتِقْلالِهِ وَحَيائِهِ وَعِفَّتِهِ، وَأَنْ يَعيشَ في وَطَنِهِ بِكَرامَتِهِ وَحُرِّيَّتِهِ وَهُوِيَّتِهِ. وَالجِهادُ هُوَ الدِّفاعُ عَنِ حُقوقِ النّاسِ وَالوُقوفُ إلى جانِبِ المَظْلومِ في وَجْهِ الظّالِمِ، وَإِعْلاءُ كَلِمَةِ الحَقِّ، وَالعَمَلُ عَلى تَحْقيقِ العَدْلِ وَنَشْرِ الأمْنِ وَالسَّلامِ.

أيُّها المُسْلِمونَ الأكارِمُ!

يُخْبِرُنا اللهُ تَعالى في كِتابِهِ العَظيمِ أَنَّ المُؤْمِنينَ يُجاهِدونَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ في سَبيلِ اللهِ وَرَسولِهِ[2]. وَيَقولُ رَسولُ اللهِ (ص): "جَاهِدُوا بِأَيْدِيكُمْ، وَأَلْسِنَتِكُمْ، وَأَمْوَالِكُمْ"[3] ، وهَذِهِ الْأيَةُ الكَرِيمَةُ والحَدِيثُ الشَّرِيفُ يُشِيرُ إلى أَنَّ الجِهادَ لا يَكونُ بِالمالِ فَقَطْ، بَلْ يَكونُ تارَةً بِاليَدِ، وَتارَةً بِاللّسانِ، وَتارَةً أُخْرى بِتَوْظيفِ المالِ في خِدْمَةِ الحَقِّ. الجِهادُ يَبْدَأُ أوَّلاً بِمُجاهَدَةِ النَّفْسِ عَمَلاً بِحَديثِ رَسولِ اللهِ (ص): "المُجاهِدُ مَنْ جاهَدَ نَفْسَهُ في طاعَةِ اللهِ"[4].   فَالجِهادُ يَأْتي أَيْضاً بِمَعْنى أَنْ يُجاهِدَ المُسْلِمُ الوَساوِسَ الشَّيْطانِيَّةَ التي تُحَرِّضُهُ على ارْتِكابِ السَّيِّئاتِ وَالمَعاصي. وَلا نَنْسى أنَّ تَعَلُّمَ الدِّينِ مِنْ مَصادِرِهِ الصَّحيحَةِ وَتَطْبيقَهُ عَلى أَكْمَلِ وَجْهٍ جِهادٌ أَيْضاً، والعُزوفَ عَنِ الأهْواءِ وَالشَّهَواتِ التي مِنْ شَأْنِها أَنْ تُبْعِدَنا عَنْ فِطْرَتِنا وَتَقُودَنا إلى الهاوِيَةِ جِهادٌ أَيْضاً. وإِذا نَجَحَ المُؤْمِنُ في مَجاهَدَةِ نَفْسِهِ نَجَحَ في مُجاهَدَةِ أَعْداءِ الإسْلامِ.

إِخْوانِيَ الأعِزّاءُ!

الجِهادُ مِنْ أَجْلِ نَشْرِ مَبادِئِ الإسْلامِ التي تَبْعَثُ الحَياةَ في الوُجودِ، وَالقَضاءِ عَلى الظُّلْمِ؛ يَكونُ أَحْياناً بِالقَلَمِ، وَأَحْياناً بِالكَلامِ. فَيُجاهِدُ المُؤْمِنُ أَحْياناً بَيَدِهِ وَأَحْياناً بِمالِهِ في سَبيلِ اللهِ وَكَلِمَةِ الحَقِّ، وَيَعْمَلُ لَيْلاً ونَهاراً لِلدَّعْوَةِ إلى الحَقيقَةِ وَنَشْرِ البِرِّ وَالإحْسانِ. أَمَّا الجِهادُ بِالسِّلاحِ في سَبيلِ الدِّينِ وَالوَطَنِ وَالحُرِّيَّةِ فَهُوَ أَعْلى دَرَجاتِ الجِهادِ. والدِّفاعُ عَنْ كُلِّ شِبْرٍ مِنْ هَذا الوَطَنِ بِالأمْسِ القَريبِ مِثالٌ حَيٌّ عَنْ أَعْلى دَرَجاتِ الجِهادِ، فَمَعْرَكَةُ جَنَقْ قَلْعَة التي حَقَّقْنا فيها النَّصْرَ بِعونِ الله تَعالى هِيَ عُنْوانُ العَزيمَةِ وَالجَسارَةِ وَالشَّجاعَةِ وَالإيمانِ وَمَلْحَمَةُ الوُجودِ.

أيُّها المُؤْمِنونَ الأعِزّاءُ!

الجِهادُ لا يَعْني أنْ تَتَناوَلَ السِّلاحَ وَتَقْتُلَ الأبْرِياءَ ظُلْماً وَبُهْتاناً. وَالهَجَماتُ الانْتِحارِيَّةُ التي تَرْتَكِبُها الشَّبَكاتُ الإجْرامِيَّةُ التي انْسَلَخَتْ عَنِ الإنْصافِ والوِجْدانِ، وَعَمَلِيّاتُ العُنْفِ والإرْهابِ التي يَتِمُّ العَمَلُ على إِسْنادِها إلى المُسْلِمينَ، بَعيدَةٌ كُلَّ البُعْدِ عَنْ مَفْهُومِ الجِهادِ في الإسْلامِ. فَالجِهادُ في الإسْلامِ لا يَعْني القَتْلَ، بَلْ الْإِحْياءَ. وَالجِهادُ لا يَكونُ إلَّا مِنْ أَجْلِ القَضاءِ على كُلِّ شَرِّ يَحْرِفُ الإنْسانَ عَنْ غايَةِ الخَلْقِ. وَالهَجَماتُ التي تَسْتَهْدِفُ الأبْرِياءَ أيَّاً كانَ فاعِلُها وأيّاً كانَتْ مُبَرِّراتُها، لا تَتَوَافَقُ قَطُّ مَعَ المُثُلِ والرُّوحِ العُلْيا التي أَضْفاها الإسْلامُ على الجِهادِ. وهَذِهِ الهَجَماتُ جَرائِمُ نَكْراءُ تُرْتَكَبُ ضِدَّ الإنْسانِيَّةِ بِوَحْشِيَّةٍ لا تَرْحَمُ.

إخواني الأفاضِلُ!

واليَوْمَ أيْضاً نُجاهِدُ بِأَمْوالِنا وأَنْفُسِنا حِفاظاً على وُجودِنا. وَيُثْبِتُ جُنودُنا مَرَّةً أُخْرى لِلْعالَمِ كُلِّهِ أَنَّنا مُسْتَعِدُّونَ لِلتَّضْحِيَةِ في سَبيلِ الدّينِ وَالعَلَمِ وَالوَطَنِ. وَكَأَنَّما أَبْناءُ هَذا الوَطَنِ الذينَ يَشْرَبونَ مِنْ كَأْسِ الشَّهادَةِ في رَيْعانِ شَبابِهِمْ يُبَشِّرونَنا بِما جاءَ في هَذِهِ الآيَةِ الكَريمَةِ: "وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ "[5].

أيُّها المُؤْمِنونَ الأعِزّاءُ!

هُناكَ مَسْؤولِيّاتٌ تَقَعُ على عاتِقِنا جَميعاً في هَذا الجِهادِ مِنْ أَجْلِ الوُجودِ. فَتَعالَوْا نَتَوَجَّهْ إلى اللهِ تَعالى بِموجِبِ هَذِهِ المَسْؤولِيَّةِ وَنَتَوَسَّلْ إِلَيْهِ في هَذِهِ السَّاعَةِ المُبارَكَةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ: الَلَّهُمَّ انْصُرْ جَيْشَنا البَطَلَ الذي يُجاهِدُ في سَبيلِ الحِفاظِ على اسْتِقْلالِ الوَطَنِ وَمُسْتَقْبَلِهِ وَوَحْدَتِهِ. الَلَّهُمَّ إنّا نَسْأَلُكَ الرَّحْمَةَ لِشُهَداءِنا الأعِزّاءَ الذينَ ضَحّوا بِأَرْواحِهِمْ في سَبيلِ أَمْنِنا وَقِيَمِنا، وَالشِّفاءَ العاجِلَ لِغُزَاتِنا. الَلَّهُمَّ أَكْرِمْنا بِالفَراسَةِ وَالبَصيرَةِ والقُوَّةِ وَالفِطْنَةِ أمامَ الذينَ يَكيدونَ المَكائِدَ وَالدَّسائِسَ وَالحِيَلَ لِشَعْبِنا وَأُمَّتِنا المُحَمَّدِيَّةِ وَيَسْعَوْنَ في الأرْضِ فِتْنَةً وَفَساداً. الَلَّهُمَّ اجْعَلْنا مُؤْمِنينَ مُخْلِصينَ يَفْهَمونَ جَيِّداً مَعْنى الْجِهاَدِ والشَّهادَةِ، ولايَهابونَ المَوْتَ في سَبيلِكَ. الَلَّهُمَّ بِكَ آمَنّا وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، فَكُنْ لَنا عَوْناً وَسَنَداً.



[1]  النسائي، الجهاد، 24.

[2]  الصف، 61/ 11.  

[3]  النسائي، الجهاد، 48.

[4]  الترمذي، فضائل الجهاد، 2.

[5]  البقرة، 2/ 154.

 

 

 من إعداد المديرية العامة للخدمات الدينية

إرسال تعليق

أحدث أقدم