اَلْدِّيْنُ إِخْلَاصٌ, وَاسْتِغْلَالُهُ خِيَانَةٌ


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِل!

فِي اَلآيَةِ الكَرِيمَةِ الَّتي قَرَأْتُهَا يَقُولُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: "هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين"[1].

وَفي اَلحَدِيثِ اَلشَّرِيفِ اَلَّذِي قَرَأْتُهُ يَقُولُ نَبِيُّنَا (ص): " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُه"[2].

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاء!

إِنَّ جَوْهَرَ دِينِينَا الإِسْلامِ الإِخْلاص. الإِخْلاصُ هُوَ وَحْدَةُ دَاخِلِنَا وَخَارِجِنَا، وَجَوْهَرِنَا وَكَلِمَتِنَا. وَأَنْ نَحْرِصَ عَلَى رِضَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا. الإِخْلَاصُ هُوَ حِمَايَةُ إِيْمَانِنَا وعِبَادَتِنَا مِنْ كُلِّ أَنْوَاعِ النِّفَاقِ والرِّيَاء.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!

إِنَّ الإِخْلَاصَ هُوَ اَلَّذِي يَجْعَلُ الإِيمَانَ كَامِلَاً. الإِخْلَاصُ يُحَوِّلُ أَعْمَالَنَا إلى رَأْسِ مَالٍ لِلْأَخِرَةِ. إِنَّ الإِخْلَاصَ هُوَ اَلَّذِي يَجْعَلُ لِلْخَيْرِ مَعْنَى. وَهُوَ اَلَّذِي يُضِيْفُ قِيْمَةً لِلْمَعْرِفَةِ. إِنَّ اَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ حَدِيثَ رَسُولِ اللِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ:"الَدِّيْنُ اَلنَّصِيْحَة"[3] شِعَارًا، هُمُ اَلَّذِينَ يَعِيشُونَ الحَيَاةَ فِي الإِتِّجَاهِ الصَّحِيحِ. وَيُظْهِرُونَ اَلْوَفَاءَ بِلْعَهْدِ و يَكُونُونَ صَادِيقِينَ وَلَا يَغُشُّونَ. وَلَا يَتْرُكُونَ اَلْعَدَالَةَ وَاَلْحَقَّ وَاَلْحَقِيقَةَ. وَيُرَاعُونَ حُقُوقَ اَلنَّاسِ عَامَّة.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِل!

اَلاِسْتِغْلَالُ هو وَاحِدٌ مِنَ الشُّرُورِ الَّتي تُبْعِدُنَا عَنْ رِضَا رَبِّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَهُوَ اِسْتِخْدَامِ مُعْتَقَدَاتِ اَلنَّاسِ وَمَشَاعِرِهِمْ وَنِقَاطِ ضَعْفِهِمْ لِتَحْقِيقِ مَصَالِحٍ شَخْصِيَةٍ. هُوَ خِدَاعُ اَلنَّاسِ بِقِيَمِ دِينِنَا السَّامِيَّةِ. وَاكْتِسَابُ القُوَّةِ مِنْ خِلَالِ اِسْتِغْلَالِ الإِمْكَانَاتِ اَلمَادِّيَّةِ وَاَلمَعْنَوِيَّةِ. بِاخْتِصَارٍ إِنَّ اَلاِسْتِغْلَالِ هِيَ خِيَانَةٌ لِلَّهِ وَالْقُرْأَنِ وَالنَّبِيِّ وَالْإِنْسَانِ وَالْمُجْتَمَع.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!

إِنَّ الاِسْتِغْلَالِيْيِنَ لا يَسْعَوْنَ لِرِضَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَلْ يَبْنُونَ الإِسْلَامَ عَلَى الأَفْرَادِ. وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمُ المُمَثِّلُونَ اَلوَحِيدُونَ لِلْحَقِّ وَ الحَقِيقَةِ. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى:"إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُون"[4]. نَعَمْ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي اَلْآيَاتِ اَلكَرِيمَةِ فَإِنَّ هَؤُلاءِ النَّاسِ يُفْسِدُونَ المُجْتَمَعَ بِالظُّهُورِ تَحْتَ عَبَائَةِ الحَقِّ. إِنَّهُمْ يَسْتَمِدُّونَ القُوَّةَ مِنْ خِلَالِ الْقِيَمِ اَلْوَطَنِيَّةِ وَاَلْمَعْنَوِيَّةِ. إِنَّهُمْ يُسِيؤُنَ إلى النَّوَايَا اَلحَسَنَةِ لِلنَّاسِ وَيَسْرِقُونَ مُسْتَقْبَلَهُم.

أَيُّهَا الْأُخوَةُ الْأَفَاضِل!

قَبْلَ سَبْعِ سَنَوَاتٍ بِالضَّبْطِ، فِي لَيْلَةِ اَلْخَامِسِ عَشَرَةَ مِنْ تَمُّوزٍ، اِسْتَهْدَفَتْ مُنَظَّمَةُ غُوْلَنْ اَلْإِرْهَابِيَّةُ وَحْدَةَ أُمَّتِنَا وَبَقَاءِ دَوْلَتِنَا. وَلَكِنْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، كَانَ عَوْنُ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَنَا مَرَّةً أُخْرَى. فَتَكَاتَفَتِ الْأُمَّةُ وَالدَّوْلَةُ وَوَقَفَتَا بِحَزْمٍ ضِدَّ اَلْمُخَرِّبِينَ. وَبِمُقَاوَمَةٍ مَلْحَمِيَّةٍ، أَحْبَطْنَا طُمُوحَاتِ اَلْخَوَنَةِ اَلدَّاخِلِيِّينَ وَالْخَارِجِيِّينَ. "وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين"[5]. وَاسْتُشْهِدَ اَلْعَدِيدُ مِنْ إِخْوَانِنَا فِي هَذِهِ اَلْمُقَاوَمَةِ. وَيَحْمِلُ مَنْ اِنْتَصَرَ مِنْهُمْ شَارَةَ اَلْمُحَارِبِينَ عَلَى أَجْسَادِهِمْ كَمِيدَالْيَةِ شَرَف.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاء!

لِكَيْ لَا نَقَعَ فِي فِخَاخِ اَلِاسْتِغْلَالِيِّينَ وَالْهَيَاكِلِ اَلْمُسِيئَةِ مَرَّةً أُخْرَى، دَعُوْنَا نَتَعَلَّمُ دِينَنَا مِنْ مَصَادِرَ صَحِيحَةٍ وَأَشْخَاصٍ أَكِفَّاءَ ومُوثُوقِين. دَعُونَا نَفْهَمُ كِتَابَنَا اَلْعَظِيمَ اَلْقُرْآنَ اَلْكَرِيمَ وَسَنَّةَ نَبِيَّنَا اَلْحَبِيبَ ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) بِشَكْلٍ صَحِيحٍ وَنُطَبِّقَهُ فِي حَيَاتِنَا. دَعُونَا نَأْخُذُ اَلثِّقَةَ وَالْإِخْلَاصَ كَأَسَاسٍ فِي عَائِلَتِنَا، فِي عَلَاقَاتِنَا اَلْإِنْسَانِيَّةِ، فِي تِجَارَتِنَا، فِي أَعْمَالِنَا، فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ حَيَاتِنَا. دَعُونَا لَا نُهْمِلُ أَطْفَالَنَا، اَلَّذِينَ هُمْ ضَمَانُ مُسْتَقْبَلِنَا. دَعُونَا نُرَبِّيهِمْ كَأَشْخَاصٍ نَافِعِينَ لِأُسَرِهِمْ وَبِيئَتِهِمْ وَوَطَنِهِمْ وَأُمَّتِهِمْ وَإِنْسَانِيَّتِهِمْ. لِنَكُنْ دَائِمًا قَلْبًا وَاحِدًا ضِدَّ أُولَئِكَ اَلَّذِينَ يُرِيدُونَ جَرَّ بِلَادِنَا وَأُمَّتِنَا اَلْحَبِيبَةَ إِلَى الْفِتْنَةِ وَالْفَسَاد.

وَبِهَذِهِ اَلْمُنَاسَبَةِ، أَسْأَلُ رَبَّنَا اَلْعَلِيَّ اَلْعَظِيمَ أَنْ يَرْحَمَ جَمِيعَ شُهَدَائِنَا اَلَّذِينَ ضَحَّوْا بِأَرْوَاحِهِمْ مِنْ أَجْلِ قِيَمِنَا اَلْعَظِيمَةِ مِنْ اَلْمَاضِي إِلَى اَلْحَاضِرِ وَالْمُحَارِبِينَ اَلْعُظَمَاءَ اَلْأَبْطَالَ اَلَّذِينَ رَحَلُوا إِلَى اَلْآخِرَةِ. وَأَدْعُو اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِنَعِيشَ اَلْقِيَمَ اَلَّتِي أَوْكَلُوهَا إِلَيْنَا وَأَنْ نَنْقُلَهَا إِلَى أَجْيَالِنَا الْقَادِمَة.

________________________________

[1] سُورَة اَلْمُؤَمَّن ، /  .

[2] اَلنِّسَائِيَّ ، كِتَابُ اَلْجِهَاد ،  .

[3] مُسْلِمٌ ، كِتَابُ اَلْإِيمَان ، .

[4] سُورَة اَلْبَقَرَة ، /  ،.

[5] سُورَة آلِ عِمْرَان ، / .

       اَلْمُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّةِ

إرسال تعليق

أحدث أقدم