
اَلْمُؤْمِنُ وَفِيٌّ لِلْمَسْجِدِ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
فِي عَصْرِ السَّعَادَةِ، كَانَتْ هُنَاكَ اِمْرَأَةٌ تَهْتَمُّ بِإِصْلَاحِ وَتَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ. وَعِنْدَمَا لَمْ يَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ، أَصَابَهُ الْفُضُولُ وَسَأَلَ عَنْهَا الصَّحَابَةَ الْكِرَامَ. فَذَكَرَ لَهُ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تُوُفِّيَتْ. وَعِنْدَهَا أَعْرَبَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حُزْنِهِ بِقَوْلِهِ، "أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟" وَبَعْدَهَا تَوَجَّهَ إِلَى قَبْرِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهَا صَلَاةَ الْجَنَازَةِ وَدَعَا لَهَا.[1]
لَا شَكَّ أَنَّ تَصَرُّفَ رَسُولِنَا الْأَكْرَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا، هُوَ مِثَالٌ رَائِعٌ عَلَى إِظْهَارِ الْوَفَاءِ تُجَاهَ مَنْ يَقُومُونَ بِخِدْمَةِ مَسَاجِدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ مَكَانَ الْعِبَادَةِ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ مَنْبَعُ الْبَرَكَةِ وَالْهِدَايَةِ، هُوَ الْكَعْبَةُ الْمُشَرَّفَةُ بِمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ. وَإِنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ وَجَامِعٍ فَوْقَ هَذِهِ الْأَرْضِ هُوَ فَرْعٌ عَنْ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ.
إِنَّ جَوَامِعَنَا وَمَسَاجِدَنَا هِيَ بُيُوتٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهِيَ شِعَارٌ لِلْإِسْلَامِ، وَمَرَاكِزٌ لِلتَّوْحِيدِ، وَصَدَى عَظِيمٌ لِلْوِحْدَةِ. كَمَا أَنَّهَا قُلُوبٌ لِمُدُنِنَا، وَمَرَاكِزٌ لِحَيَاتِنَا. وَهِيَ كَذَلِكَ نَبْعٌ لِلْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْحِكْمَةِ. وَإِنَّ الْجَوَامِعَ وَالْمَسَاجِدَ، وِفْقاً لِتَعْبِيرِ الرَّسُولِ الْأَكْرَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هِيَ خَيْرُ بِقَاعِ الْأَرْضِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.[2]
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ جَوَامِعَنَا وَمَسَاجِدَنَا هِيَ اِنْعِكَاسٌ لِذَلِكَ الْوَفَاءِ الَّذِي نُكِنُّهُ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. فَهُنَا قَدْ تَعَرَّفْنَا عَلَى كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهُنَا قَدْ اِلْتَقَيْنَا بِوَرَثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُنَا قَدْ تَلَقَّيْنَا التَّرْبِيَةَ الرَّحْمَانِيَّةَ النَّبَوِيَّةَ. كَمَا أَنَّنَا هُنَا قَدْ تَعَلَّمْنَا الْآدَابَ وَالْأَرْكَانَ. وَهُنَا قَدْ اِلْتَفَفْنَا حَوْلَ الْوِحْدَةِ وَالْاِتِّحَادِ وَحَوْلَ الْأُخُوَّةِ وَالْوَفَاءِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!
لَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ..."[3] أَجَلْ، إِنَّ بِنَاءَ الْمَسَاجِدِ هُوَ أَمْرٌ مُهِمٌّ. وَلَكِنَّ الْأَمْرَ الْأَهَمَّ هُوَ أَنْ نَعْمُرَ مَسَاجِدَنَا بِذَوَاتِنَا. وَهُوَ أَنْ نُحَقِّقَ اِلْتِقَاءَ أَذْهَانِنَا وَقُلُوبِنَا بِأَجْوَاءِ الطُّمَأْنِينَةِ الْخَاصَّةِ بِالْمَسْجِدِ. وَهُوَ كَذَلِكَ أَنْ نُضْفِي الْفَرْحَةَ عَلَى مَسَاجِدِنَا مِنْ خِلَالِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَالْأَطْفَالِ وَالشَّبَابِ وَكِبَارِ السِّنِّ. وَهُوَ أَنْ نُرَسِّخَ الْوَفَاءَ تُجَاهَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَتُجَاهَ بَعْضِنَا الْبَعْضَ بِمَسَاجِدِنَا الَّتِي هِيَ أَمَاكِنُ لِتَعْلِيمِ الْمَعْرِفَةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّهُ يَتِمُّ مَا بَيْنَ تَارِيخِ 1-7 أُكْتُوبَرْ مِنْ كُلِّ عَامٍ الْاِحْتِفَاءُ بِـ "أُسْبُوعُ الْمَسَاجِدِ وَالْمُوَظَّفِينَ الدِّينِيِّينَ". وَقَدْ قَامَتْ رِئَاسَةُ الشُّؤُونِ الدِّينِيَّةِ بِتَحْدِيدِ الْعُنْوَانِ لِهَذَا الْعَامِ لِيَكُونَ "الْمَسَاجِدُ وَالْمُوَظَّفُونَ الدِّينِيُّونَ وَالْوَفَاءُ". وَإِنَّنَا سَوْفَ نُدْرِكُ مِنْ جَدِيدٍ مِنْ خِلَالِ هَذَا الْأُسْبُوعِ مَكَانَةَ مَسَاجِدِنَا فِي حَيَاتِنَا وَفِي عَالَمِ قُلُوبِنَا. كَمَا أَنَّنَا سَوْفَ نَسْتَذْكِرُ بِالْاِمْتِنَانِ جُنُودَ الْوَفَاءِ الَّذِينَ كَرَّسُوا أَعْمَارَهُمْ لِخِدْمَةِ الدِّينِ، وَأَسَاتِذَتَنَا أَصْحَابَ التَّضْحِيَةِ، وَخَادِمِي الْخَيْرِ، وَكَذَلِكَ أَبْنَاءَ أُمَّتِنَا الْعَزِيزَةِ الَّتِي تَعْمُرُ وَتَبْنِي وَتُحْيِي الْمَسَاجِدَ.
إِنَّنِي أَسْأَلُ رَبَّنَا الْعَظِيمَ أَنْ يَكُونَ أُسْبُوعُ الْمَسَاجِدِ وَالْمُوَظَّفِينَ الدِّينِيِّينَ وَسِيلَةً لِكُلِّ خَيْرٍ. وَسَوْفَ أُنْهِي خُطْبَتِي هَذِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِرَسُولِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يُعَبِّرُ فِيهِ عَنْ أَهَمِّيَّةِ الْوَفَاءِ لِلْمَسْجِدِ وَلِلْجَمَاعَةِ. "إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ."[4]
[1] صَحِيحُ الْبُخَارِيُّ، كِتَابُ الصَّلَاةِ، 72.
[2] صَحِيحُ مُسْلِمْ، كِتَابُ الْمَسَاجِدِ، 288.
[3] سُورَةُ التَّوْبَةِ، الْآيَةُ: 18.
[4] سُنَنُ التِّرْمِذِيّ، كِتَابُ الْإِيمَانِ، 8؛ سُنَنُ اِبْنِ مَاجَه، كِتَابُ الْمَسَاجِدِ، 19.
المُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّةِ