اِنْتِصَارُ جَنَاقْ قَلْعَةَ وَرُوحُ ,الْوِحْدَةِ,



اِنْتِصَارُ جَنَاقْ قَلْعَةَ وَرُوحُ الْوَحْدَةِ

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!

إِنَّ الْوَطَنَ هُوَ التُّرَابُ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ النَّاسُ بِأَمَانٍ وَسَلاَمٍ وَاطْمِئْنَانٍ وَمَحَبَّةٍ. وَهُوَ اْلأَرْضُ الَّتِي تَحْمِلُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ. وَهُوَ الْبُقْعَةُ لِلَّذِينَ ضَحُّوا بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِ الْقِيَمِ الدِّينِيَّةِ وَلِلَّذِينَ أَنْشَأُوا الْمُسْتَقْبَلَ بِنَفْسِ الْمَثَلِ الْعُلْيَا. إِنَّ الْوَطَنَ هُوَ أَمَانَةٌ عَلَيْنَا مِنَ الَّذِينَ تَرَشَّفُوا رَحِيقَ الشَّهَادَةِ وَمِنَ الَّذِينَ حَارَبُوا وَبَقَوْا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ مُقَاتِلاً غَازِيًا. إِنَّ مُقَابِلَ الْوَفَاءِ بِهَذِهِ الْأَمَانَةِ وَالدِّفَاعِ عَنْهَا هُوَ الْحُرِّيَّةُ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!

إِنَّ اْلاِسْتِشْهَادَ هُوَ اِسْمُ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِاْلأَنْفُسِ مِنْ أَجْلِ الْقِيَمِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِحِفْظِهَا. وَعَلَى حَسَبِ دِينِنَا؛ اَلشَّهَادَةُ هِي مَرْتَبَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ. لِأَنَّ الشَّهِيدَ لَقَدْ ضَحَّى بِحَيَاتِهِ شَجَاعَةً كَبِيرَةً مِنْ أَجْلِ الدِّينِ وَالْوَطَنِ وَاْلأُمَّةِ وَالدَّوْلَةِ وَاْلاِسْتِقْلاَلِ وَانْفَصَلَ عَنْ أُمِّهِ وَأَبِيهِ وَحَبِيبَتِهِ وَأَبْنَائِهِ وَبِالْخلاَصَةِ هُوَ تَرَكَ جَمِيعَ أَحِبَّائِهِ. وَأَمَّا الْجَزَاءُ عَلَى هَذِهِ التَّضْحِيَّةِ الْفَرِيدَةِ هُوَ الْحُصُولُ عَلَى الثَّنَاءِ وَالتَّكْرِيمِ اْلأَبَدِيِّ مِنْ رَبِّنَا الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَلِهَذَا يُخْبِرُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ مَرْتَبَةِ الشَّهِيدِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۝ِ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ[1] وَيَقُولُ نَبِيُّنَا الْحَبِيبُ صَلَّ اللَّهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ حَالَةِ الشُّهَدَاءِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ: {مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ ْإِلاَّ الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ}[2]

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!

لَقَدْ حَافَظَ أَجْدَادُنَا عَلَى هَذِهِ اْلأَرَاضِي عَلَى مَرِّ الْقُرُونِ بِفَضْلِ إِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ وَمِنْ خِلاَلِ حُبِّهِمْ وَشَجَاعَتِهِمْ وَتَضْحِيَّاتِهِمْ لِلْوَطَنِ. لَمْ يَتَنَازَلْ أَسْلاَفُنَا عَنْ إِيمَانِهِمْ وِاِسْتِقْلاَلِهِمْ فِي أَّيِّ فَتْرَةٍ مِنْ فَتَرَاتِ التَّارِيخِ وَلَمْ يَرْضَخُوا أَبَدًا لِلْاِضْطِهَادِ وَالظُّلْمِ. وَمِنْ خِلاَلِ وَعْيِ هَذَا الشِّعَارِ " إِذَا مُتُّ فَأَنَا شَهِيدٌ وَإِذَا بَقَيْتُ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ فَأَنَا غَازٍ " قَاتَلُوا عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ كُلِّ شِبْرٍ مِنْ أَرْضِ الْوَطَنِ، وَبِجَدْعِ أُنُوفِهِمْ حَافَظُوا عَلَى بِلاَدِهِمْ ضِدَّ اْلأَعْدَاءِ وَأَيًّا كَانَ ثَمَنُهَا تَحَمَّلُوا عَلَى كُلِّ مَشَقَّةٍ مِنْ أَجْلِ وَطَنِهِمْ وَبِمَا أَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَهُ أَغْلَى مِنْ أَرْوَاحِهِمْ. وَتَارِيخُنَا الْمَجِيدُ مُفْعَمٌ بِالْمَلاَحِمِ الْبُطُولِيَّةِ لِأَجْدَادِنَا نُبَلاَءِ الَّذِينَ وَاجَهُوا عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصُّعُوبَاتِ مِنْ أَجْلِ وَطَنِهِمِ الْعَزِيزِ ومُقَدَّسَاتِهِمِ الدِّينِيَّةِ وَالْوَطَنِيَّةِ . هَا هِيَ وَاحِدَةٌ مِنْ هَذِهِ الْمَلاَحِمِ هِيَ اِنْتِصَارُ جَنَاقْ قَلْعَةَ. إِنَّ هَذِهِ الْحَرْبَ هِيَ مَعْرِكَةٌ كَبِيرَةٌ وَشَدِيدَةٌ وَاِنْتَفَضَتْ بِهَا الْقُلُوبُ الْمُؤْمِنَةُ اِنْتِفَاضَةً وِاِنْتَصَبَ الْمُنَاضِلُونَ اِنْتِصَابًا عَلىَ أَرْجُلِهِمْ مَعَ حُبِّ اللَّهِ وَعِشْقِ الْوَطَنِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!

إِنَّ اِنْتِصَارَ جَنَاقْ قَلْعَةَ هُوَ اِسْمُ الْكِفَاحِ الْعَظِيمِ اَلَّذِي سَارَعَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالشُبَّانُ وَالشُّيُوخُ بَلْ كُلُّ أَبْنَاءِ الْوَطَنِ مِنْ كُلِّ حَدْبٍ وصَوْبٍ لِلاسْتِشْهادِ في سَبِيلِ الْمُقَدّساتِ. جَنَاقْ قَلْعَةَ هِيَ الْبُقْعَةُ الَّتِي جَاهَدَ فِيهَا مَحْمَدْ جِيكْ اَلْبَاسِلُ الَّذِي يَحْمِلُ اِسْمَ نَبِييِّنَا الْحَبِيبِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ الْقُوَّةِ الَّتِي حَصَلَ عَلَيْهَا مِنَ اْلإِيَمَانِ صَرَخَ لِلْعَالَمِ بِأَسْرِهِ هَكَذَا " إِنَّ جَنَاقْ قَلْعَةَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْعُبُورِ حَتْمًا وَلاَ يُمْكِنُ اِخْتِراقُهَا وَلاَ اِجْتِيَازُهَا أَبَدًا " وهَذِهِ البُقْعَةُ هِيَ أَرْضٌ اَلَّتِي أُصِيبَ فِيهَا مَحْمَدْ جِيكْ البَطَلُ مِنْ نَاصِيَتِهِ الطَّاهِرَةِ وَسَقَطَ عَلَى اْلأَرْضِ شَهِيدًا. إِنَّ جَنَاقْ قَلْعَةَ هِيَ اْلاِنْتِصَارُ لِلَّذِينَ مَلِئَتْ صُدُورُهُمْ بِالْإِيمَانِ الثَّابِتِ وَنَبَضَتْ قُلُوبُهُمْ بِحُبِّ الْوَطَنِ. إِنَّ جَنَاقْ قَلْعَةَ هِي اِنْتِصَارٌ اَلَّذِي حَصَلَ عَلَيْهِ مَحْمَدْ جِيكْ اَلْغَالِبُ عَلَى سَبْعِ دُوَلٍ رَغْمَ عَنْ كُلِّ فِقْدَانٍ وَعَدَمِ إِمْكَانِيَّةٍ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!

إِنَّ مَعْرَكَةَ جَنَاقْ قَلْعَةَ أَظْهَرَتْ لَنَا مَرَّةً أُخْرَى؛ لَنْ يَتِمَّ الْقَبْضُ قَطْعِيًّا عَلَي الْقُلُوبِ الَّتِي تَنْبِضُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فِي اْلأَرْضِ كُلِّهَا وَابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَلَنْ تَنْزِلَ رَايَتُنَا الْحَمْرَاءُ اَلَّتِي أَخَذَتْ لَوْنَهَا مِنْ دَمِ شُهَدَائِنَا فِي شَفَقِ السَّمَاءِ قَبْلَ أَنْ تَخْمَدَ فِي آخِرِ دَارٍ عَلَى أَرْضٍ وَطَنِيٍّ شُعْلَةُ الضِّيَاءِ. وَلَنْ يَسْكُتَ أَبَدًا اَلْأَذَانُ الْمُحَمَّدِيُّ اَلَّذِي يُعْلِنُ بِالشَّهَادَةِ صَادِحاً فِي الْعُلاَءِ. إِذَا لَزِمَ اْلأَمْرُ سَيَتِمُّ مَنْحُ الْعَدِيدِ مِنَ اْلأَرْوَاحِ فِي سَبِيلِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ وَلَكِنْ، لَنْ تَمُدَّ أَلْبَتَّهْ اَلْأَيْدِي الْمُلَطِّخَةُ لِلْأَعْدَاءِ عَلَى صَدْرِ مَعَابِدِنَا، وَلَنْ يَنْجَحَ أَبَدًا اَلَّذِينَ طَمَعُوا فِي الْفَسَادِ وَحَسَدُوا عَلىَ تَضَامُنٍ وَعَلَى وَحْدَةِ أُمَّتِنَا الَّتِي تَعْبُدُ الْحَقَّ وَاْلاِسْتِقْلاَلَ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!

وَالْيَوْم، مُهِمَّتُنَا اَلَّتِي تَقَعُ عَلَى عَاتِقِنَا هِيِ اْلإِدْرَاكُ رُوحَ جَنَاقْ قَلْعَةَ، وَالْاِتِّحَادُ عَلَى قِيَمِنَا الْوَطَنِيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي جَعَلَتْنَا أُمَّةً وَاحِدَةً. مُهِمَّتُنَا هِيَ التَّشَابُكُ حَوْلَ قِيَمِنَا وَنَقْلُهَا إِلَى أَجْيَالِنَا، وَالْحَمْلُ هَذِهِ الرُّوحَ الْخَالِدَةَ وَاْلأَمَانَاتِ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي وَرَثَهَا لَنَا اَلشُّهَدَاءُ وَالْمُحَارِبُونَ الْقُدَمَاءُ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ بِنَفْسِ الْوَعْيِ وَالْمَثَلِ اْلأَعْلَى.

دَعُونَا لاَ نَنْسَى أَنَّنَا طَالَمَا نَبْقَي عَلَى وَعْيِ هَذِهِ الْوَحْدَةِ وَالتَّضَامُنِ وَاْلأُخُوَّةِ وَنَحْفَظَ عَلَى قِيَمِنَا، فَلَنْ تَجِدَ هَنَاكَ أَيَّ مُحَاوَلَةِ اْلاِعْتِدَاءِ الْخَائِنِ اَلَّذِي نَعْجِزُ عَنْ مُقَاوَمَتِهَا وَلَنْ تَجِدَ أَيَّ نِضَالٍ اَلَّذِي لاَ نَسْتَطِيعُ الْفَوْزَ بِهِ وَلاَ اِنْتِصَارٍ اَلَّذِي لاَ نَحْصُلُ عَليْهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!

اِنَّ الْهُجوُمَ الْفَظِيعَ الْمُرَتَّبَ فيِ نِيوُزِيلَنْدَا عَلَى إِخْوَانِنَا  الْمُسْلِميِنَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ فيِ مَعَابِدِهِمْ يَوْمَ عِيدِ المُؤْمِنِين فِي يَوْم الْجُمُعةِ ، لَقَدْ آلَمَ قُلُوبَنا جميعا .وَ يَجِبُ أَنْ يكُونَ مَعْلُومًا حَتْمًا أنه بغَضِّ النَّظرِ عن الْعالمِ ، أيْنَما كان ، وبِغَضِّ النَّظرِ عن السَّبَبِ لا يُمكنُ أبدًا قبولُ أيّ هُجومٍ عَلىَ مَعَابِدِنا و إِخْوَانِنا الْمُسْلِمِينَ.

إِنَّ التحرُّك مَعَ الْحِسِّ السَّلِيمِ مِنْ  شِعارِ الْمسلمين في مُوَاجَهَةِ مِثْلَ هذه الْحَوَادِثِ الْاِسْتِفْزازِيَّةِ. نَتمنَّى منْ رَحْمَةِ ربِّنا لِإِخْوانِنا وأَخَواتنا الذين اسْتُشْهدُوا في هَذا الْهُجومِ الشَّنِيعِ. حَفظَ اللهُ تعالى ومَوْلاَنا اُمَّةَ محمَّدٍ عليه الصّلاةُ والسّلاَمُ مِنْ جَميِعِ أنْواعِ الْبلايا والْمَصَائِبِ.



 

 

 

 

 

 1سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ، 3/169، 170

[2] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، بَابُ الْجِهَادِ، 21

 

اَلْمُدِيرِيّةُ الْعَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّةِ

إرسال تعليق

أحدث أقدم