عيدُ الأَضْحىالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسولَ اللهِ!
الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ يا حَبيبَ اللهِ!
الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَيِّدَ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ!
بارَكَ اللهُ لَكُمْ في عيدِ الأَضْحى أَيُّها الإِخْوَةُ الكِرامُ!
الحَمْدُ وَالثَّناءُ للهِ رَبِّ العالَمينَ الذي أَكْرَمَنا بِفَرْحَةِ العيدِ.
إِخْوانِيَ الأَعِزّاءُ!
يَقولُ اللهُ تَعالى في كِتابِهِ العَزيزِ: "لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ"[1].
وَكانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعو اللهَ عِنْدَ النَّحْرِ بِهَذا الدُّعاءِ: "اللَّهُمَّ هَذا مِنْكَ وَلَكَ، فَتَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ "[2].
إخواني!
تَغْمُرُنا مَشاعِرُ السَّعادَةِ لِأَنَّنا بَلَغْنا مَرَّةً أُخْرى عيدَ الأَضْحى، أَيَّامَ الفَرْحَةِ وَالبَهْجَةِ. فَعيدُ الأَضْحى يَزورُنا كُلَّ عامٍ وَمَعَهُ الحَجُّ الذي يُعَدُّ واحِداً مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ الخَمْسَةِ. وَيُقَدِّمُ لَنا عِبادَةَ القُرْبانِ التي هِيَ وَسيلَةٌ لِلتَّقَرُّبِ إلى اللهِ تَعالى. هَذا العيدُ يُذَكِّرُنا بِصِدْقِ سَيِّدِنا إِبْراهيمَ وَإِخْلاصِهِ، وَبِاسْتِسْلامِ سَيِّدِنا إِسْماعيلَ وَخُضوعِهِ للهِ تَعالى. وَيَعْرِضُ أَمامَ أَعْيُنِنا وَفاءَ حَبيبِنا المُصْطَفى وَجودَهُ وَكَرَمَهُ وَوَقْفَتَه الإيمانِيَّةَ وَقُدْوَتَهُ العالَمِيَّةَ.
إِخْوَتي الأَفاضِلُ!
في هَذِهِ الأَيّامِ يَتَدَفَقُّ إِخْوانُنا بِالمَلايينِ إلى الكَعْبَةِ وَجَبَلِ عَرَفاتٍ مِنْ أَجْلِ عِبادَةِ الحَجِّ. فَيُجَدِّدونَ ميثاقَ الإيمانِ الذي يَرْبُطُهُمْ بِاللهِ تَعالى. وَنَحْنُ المُسْلِمونَ في العالَمِ كُلِّهِ سَوْفَ نَنْحَرُ القَرابينَ اليَوْمَ بِاسْمِ اللهِ تَعالى. وَسَوْفَ نُمَكِّنُ وَنُعَزِّزُ عَقيدَتَنا، وعَقيدَةَ التَّوْحيدِ، ومَشاعَرَ العُبودِيَّةِ للهِ تعالى.
بِلِباسِ الإِحْرامِ النَّاصِعِ البَياضِ كَرَمْزٍ يُعَبِّرُ عَنِ التَّطَهُّرِ مِنَ الذُّنوبِ وَالخَطايا، وَبِتَضَرُّعاتِهِمُ النَّابِعَةِ مِنْ أَعْماقِ القُلوبِ؛ يُقِرُّ إِخْوانُنا الحُجَّاجُ أَنَّهُ لا مَلاذَ إلا مَلاذُ اللهِ. وَتَمْتَزِجُ أَدْعِيَةُ إِخْوانِنا القادِمينَ إلى الكَعْبَةِ مِنْ شَتّى بِقاعِ الأَرْضِ بمَشاعَرَ واحِدَةٍ. وَتِئِنُّ قُبَّةُ السَّماءِ بِأَصْداءِ التَّلْبِيَةِ التي تَتَصاعَدُ مِنَ الصُّدورِ. وَنَحْنُ اليَوْمَ بِذَبْحِنا لِلأَضاحي سَوْفَ نَقولُ إنَّنا نَسْعى مِنَ أَجْلِ التَّقَرُّبِ إلى اللهِ تَعالى.
في كُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَراحِلِ عِبادَةِ الحَجِّ يُنادي إِخْوانُنا الحُجّاجُ بِضَرورَةِ عَدَمِ الوُقوعِ أَسيراً في شِباكِ الشَّهَواتِ وَالأَهْواءِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَبِأَنَّ الفَلاحَ لا يَكونُ إلّا بِالتَّقْوى. وَنَحْنُ اليَوْمَ بِالقَرابينِ التي سَنَنْحَرُها سَوْفَ نُثْبِتُ أَنَّنا مُسْتَعِدّونَ لِلتَّضْحِيَةِ بِكُلِّ ما نَمْلِكُ في سَبيلِ اللهِ تَعالى.
إِخْوانِيَ الأعِزّاءُ!
عيدُ الأضْحى هُوَ عيدُ الأَمْنِ والسَّلامِ والعافِيَةِ وَالأُخُوَّةِ وَالوَحْدَةِ وَالتَّآزُرِ وَالتَّضامُنِ. عيدُ الأَضْحى هُوَ عيدُ الذينَ يَحَقِّقونَ الوَحْدَةَ في الكَثْرَةِ تارِكينَ جانِباً كُلَّ الاخْتِلافاتِ، وَهو عيدُ الذينَ يَعْرِفونَ أَنْفُسَهُمْ وَرَبَّهُمْ، وَيَتَفَكَّرونَ وَيَتَذَكَّرونَ وَيَسْتَسْلِمونَ للهِ مِنْ أَعْماقِ قُلوبِهِمْ. وَهَذا العيدُ هُوَ عيدُ الذينَ يُطَهِّرونَ أَذْهانَهُمْ مِنَ الشُّرورِ وَالسّيّئاتِ، وَيُزَكّونَ قُلوبَهُمْ مِنَ الأَقْذارِ وَالأَدْرانِ المَعْنَوِيَّةِ، وَيَتَجَنَّبونَ المَعاصي. وَهَذا العيدُ هُوَ عيدُ الذينَ يُزَكّونَ أَنْفُسَهُمْ، وَلا يَمَسُّونَ أَحَداً بِسوءٍ، وَيَعْمَلونَ على نَشْرِ الأَمْنِ وَالأمانِ. وَهَذا العيدُ هُوَ عيدُ الذينَ يَصْبِرونَ وَيَشْكُرونَ، وَيَعيشونَ حَياةً في إِطارِ حِكْمَةِ الخَلْقِ وَغايَتِهِ. وهَذا العيدُ هُوَ عيدُ الذينَ يَتَوَدَّدونَ إلى اليَتامى وَالفُقَراءِ وَالمَساكينِ، وَيُساعِدونَ البائسينَ وَيَزْرَعونَ في نُفوسِهِمُ الأَمَلَ.
إخواني!
الأَعْيادُ هِيَ الأَوْقاتُ التي يَجِبُ أَنْ نَكونَ فيها أَقْرَبَ إلى اللهِ وَبَعْضِنا إلى بَعْضٍ أَقْرَب. الأَعْيادُ هِيَ الأيَّامُ التي تَبْلُغُ فيها مَشاعِرُ الوَحْدَةِ والإِنْفاقِ وَالتَّقاسُمِ ذِرْوَتَها. وَالأَعْيادُ هِيَ الأَيّامُ التي نَعِي فيها مِنْ جَديدٍ أَنَّ كُلَّ شَيءٍ في هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا التي نَعيشُها ابْتِلاءٌ بِأَحْزانِها وَأَفْراحِها.
إِنْ كانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ فَتَعالَوْا نَرْسُمِ البَسْمَةَ عَلى وُجوهِ آبائِنا وَأُمَّهاتِنا وَأَزْواجِنا وَأَوْلادِنا وَإِخْوَتِنا وَأَخَواتِنا وَجيرانِنا. وَلْنَزْرَعْ فَرْحَةَ العيدِ في قُلوبِ الفُقَراءِ وَالمَساكينِ وَالمُسِنّينَ. وَلْنُعَمِّرِ القُلوبَ المُنْكَسِرَةَ وَالصُّدورَ المُنْهَكَةَ بِبَرَكَةِ العيدِ وَمَحاسِنِهِ. وَلْنُنْهِ اليَوْمَ جَميعَ المُشاحِناتِ وَالخُصوماتِ التي تُلْقي بِظِلالِها على أُخُوَّتِنا وَفَرْحَةِ العيدِ.
تَعالَوْا لا نَنْسى أَنَّ كُلَّ هَدِيَّةٍ نُقَدِّمُها في العيدِ سَوْفَ نَنالُ بِها رِضا اللهِ تَعالى، وَأَنَّ أَجْمَلَ شَيءٍ يَمْكِنُ أَنْ نَتَهاداهُ هِيَ السَّلامُ وَالأَدْعِيَةُ النّابِعَةُ مِنْ أَعْماقِ قُلوبِنا، وَالابْتِسامَةُ وَالزّياراتُ.
إخواني!
في خِتامِ الخُطْبَةِ أُهَنِئُ شَعْبَنا العَزيزِ وجالِياتِنا الكَريمَةَ في المَهْجَرِ، وَجَميعَ إِخْوانِنا في جُغْرافِيَّتِنا الحَبيبَةِ، وَالعالَمَ الإِسْلامِيَّ بِمُنَاسَبَةِ حُلولِ عيدِ الأَضْحى المُبارَكِ. وَأَسْأَلُ اللهَ تَعالى أنْ تَكونَ قَرابيبُنا مَقْبولَةً وَحَجُّ إِخْوانِنا مَقْبولاً وَذُنوبُنا مَغْفورَةً وَأَعْيادُنا مَسْرورَةً. وَأَوَدَّ أَنْ أَخْتِمَ خُطْبَتي بِهَذِهِ الأَبْياتِ الشِّعْرِيَّةِ التي تَتَحَدَّثُ عَنِ الأَعْيادِ الحَقيقِيَّةِ:
لِيَلْتَقِ الأَحِبَّةُ وَلْيَكُنِ العيد عيداً!
ولْيَلْتَقِ العَبْدُ بِسُلْطانِهِ، ولْيَكُن العيد عيداً!
وَلْتَتلاشَ الأَحْزانُ والأَكْدارُ، ولْيَكُن الحَياءُ هُوَ اللِّسانُ!
وَلتُغْفَر الذُّنوبُ كُلُّها وعِنْدَها يَكونُ العيدُ عيداً!
[1] الحج، 22/ 37.
[2] ابن ماجه، الأضاحي. أبو داود، الضحايا، 3-4.
من إعداد المديرية العامة للخدمات الدينية