اَلْعَمَلُ يَجْلِبُ الْبَرَكَةَ لِحَيَاتِنَا


اَلْعَمَلُ يَجْلِبُ الْبَرَكَةَ لِحَيَاتِنَا

 

إِخْوَانِيَ الْأَعِزَّاء!

قَرَأْتُ فِي مَطْلَعِ خُطْبَتِي هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ " وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزٰيهُ الْجَزَٓاءَ الْاَوْفٰىۙ " 1. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الكريم " مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ " 2.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاء!

رَبُّ الْعَالَمِينَ الرَّزَّاقُ هُوَ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِكُلِّ لُقْمَةٍ نَأْكُلُهَا وَكُلِّ مَا نَشْرَبُ أَوْ نَسْتَنْشِقُ وَهُوَ   الَّذِي أَكْرَمَ عَلَيْنَا بِالْخُبْزِ وَالْمَاء. إِنَّهُ صَاحِبُ الْكَرَمِ الَّذِي لَا يَنْفُذُ. فَعِنْدَمَا نَقُولُ "يَا رَزَّاقُ" يَسْمَعُنَا سُبْحانَهُ وَتَعالى وَنُدْرِكُ أَنَّهُ سَيَمُنُّ عَلَى رُوحِنَا وَجَسَدِنَا بِالْغِذَاءِ وَهُوَ الْكَفِيلُ بِرِزْقِنَا. وَيَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْحُصُولِ عَلَى هَذَا الرِّزْقِ السَّعْيُ بِالسَّبِيلِ الْحَلالِ وَالسَّعْيُ لِلْحُصُولِ عَلَى الرِّبْحِ وَالنَّظِيفِ وَالنَّزِيهِ. وَقَدْ  وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدَدِ هَذَا الْمَوْضُوعِ " يُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ    " 3.

 

إِخْوَانِي!

عَمَلَ رَسُولُ اللهِ الَّذِي تَمَّ إِرْسَالُهُمْ دَلِيلًا لِلْبَشَرِيَّةِ فِي مَجَالِ الْخِياطَةِ وَالنِّجارَةِ وَالزِّراعَةِ وَالتِّجارَةِ  وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمالِ دُونَ يَكُونُوا عِبْئًا عَلَى أَحَدٍ لِتَأْمِينِ رِزْقِهِمْ وَرِزْقِ عَائِلَتِهِمْ بِالطُّرُقِ الْحَلالِ. فَالْعَمَلُ فِي سَبِيلِ الرِّزْقِ الْحَلالِ وَالْإِنْتاجِ وَفْقَ السَّبِيلِ الْحَلالِ وَصَرْفِ مَا رَزَقَنَا اللهُ تَعالَى فِي الطُّرُقِ الْحَلالِ هُوَ مِنْ سُنَّةِ الْأَنْبِيَاء. نَادَى اللهُ تَعالى الْإِنْسَانِيَّةَ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ قَائِلا "  يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا " 4.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِل!

اَلْعَمَلُ يَجْلِبُ الْبَرَكَةَ وَالسُّرُورَ لِحَيَاتِنَا. مِنَ الشَّرَفِ لِلْعَبْدِ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْأَعْمالِ الَّتِي تُرْضِي اللهَ تَعالى مُسْتَغَلًّا عَقْلَهُ وَجَسَدَهُ وَقَلْبَهُ الَّذِي مَنَحَهُ إِيَّاهُ اللهُ سُبْحانَهُ وَتَعالَى. وَيَتَوَجَّبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُجَدِّدَ نَفْسَهُ دَائِمًا كَمَاوَيَتَوَجَّبُ عَلَيْهِ "أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنَ الْخَاسِرِينَ إِذا كانَ يَوْمانِ مِنْ حَياتِهِ مُتَساوِيانِ". حَيْثُ مَنَعَنَا دِينُنَا الْحَنِيفُ مِنَ الْكَسْلِ وَعَدَمِ تَحَمُّلِ الْمَسْئُولِيَّةِ وَجَمِيعِ الْأَعْمالِ الَّتِي تَسْعَى لِلْكَسْبِ دُونَ السَّعْيِ. كَما يَمْنَعُ مَنْعًا بَاتَّا الْأَعْمالِ الَّتِي تُقَدِّمُ لِصَاحِبِهَا الْأَرْباحَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ دُونَ الْاِعْتِمادِ عَلَى أَخْلاقِ الْمُجْتَمَعِ وَقِيَمِهِ كَالرُّشْوَةِ وَالرِّبَا وَالْاِحْتِكارِ وَالسُّوقِ السَّوْداءِ وَالْحِيَلِ فِي التَّسَوُّقِ الَّتِي تُسَاهِمُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الثِّقَةِ وَالرَّاحَةِ. وَقَدْ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِهِ " لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ.  " 5.

 

 

إِخْوَانِيَ الْأَعِزَّاء!

 قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ " وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا " 6. حَيْثُ يَتَوَجَّبُ عَلَى الْمُسْلِمِ مُراعاةُ هَذَا التَّحْذِيرِ الْإِلَهِيِّ وَعَدَمُ التَّخَلِّي عَنِ الْآخِرَةِ فِي سَبِيلِ كَسْبِ الدُّنْيَا وَعَدَمُ التَّخَلِّي عَنِ دُنْيَاهُ فِي سَبِيلِ الْآخِرَةِ. كَما يَتَوَجَّبُ أَيْضًا عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ سَعْيِهِ لِتَأْمِينِ مَعِيشَتِهِ مُراعاةُ الْاِلْتِزامِ بِالْأَمانَةِ وَالْعَدالَةُ والْاِلْتِزامُ بِالْحَقِّ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْلاقِ الْحَمِيدَةِ وَعَدَم ُالْاِبْتِعادِ عَنِ الشُّعُورِ بِالْعُبُودِيَّةِ للهِ تَعالَى.

أَخْتِمُ خُطْبَتِي هَذِهِ بِالآيَةِ الكَرِيمَةِ الَّتِي تَصِفُ الْمُؤْمِنِينَ "  رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ " 7.

 

 

1 النجم، 53/39-41

2 البخاري،  البيوع ، 15 

3 ابن ماجة، التجارة، 2

4 البقرة، 2/168

5 البخاري، الزكاة، 50

6 القصاص، 28/77

7 النور، 24/37

 

 

 

 

المديرية العامة للخدمات الدينية

 

 

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم