عِيدُ الْأَضْحَى


عِيدُ الْأَضْحَى

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!

بَدَأَ النَّبِيُّ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ  وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ فِي الْعَامِ الثَّانِي لِلْهِجْرَةِ بِتَقْدِيمِ الْأُضْحِيَةِ للهِ تَعَالَى لِلْمَرَّةِ الْأُولَى. سَيُضَحِّى الْمُسْلِمُونَ بِالْأُضْحِيَةِ للهِ تَعَالَى وَسَيَكُونُونَ فِي نَعِيمٍ فِي الْعِيدِ ضِمْنَ إِطَارِ الْاِتِّحَادِ وَالتَّعَاوُنِ. وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ أَيْضًا بِالْاِشْتِرَاكِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ كَيْ يَحْظُوا بِبَرَكَةِ صَبَاحِ الْعِيدِ وَيَعِيشُونَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَيَحْصُلُونَ عَلَى خَيْرِ الدُّعَاءِ وَالْخُطْبَةِ. عِنْدَمَا وَصَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ أَلْقَى السَّلَامَ عَلَى    الْمُؤْمِنُونَ وَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ خَاطَبَ أَصْحَابَهُ قَائِلًا "  إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا  " 1.

أَعِزَّائِيَ الْمُسْلمِينَ!

نَعِيشُ الْآنَ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْفَضِيلِ فِي هَذَا الصَّبَاحِ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ مَا عَاشَهُ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ  وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الْكِرَامُ. اَلْحَمْدُ للهِ تَعَالَى الَّذِي أَكْرَمَنَا بِعِيدِ الْأَضْحَى ضِمْنَ إِطَارِ التَّعَاوُنِ وَالْوَحْدَةِ وَجَمَعْنَا مَعَ بَعْضِنَا الْبَعْضَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُعْتَبَرُ بِمَثَابَةِ ظِلَالِ الْكَعْبَةِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا الْحَبِيبِ الَّذِي أُرْسِلَ رَحْمَةً إِلَى الْعَالَمِينَ.

أَعِزَّائِيَ الْمُؤْمِنِينَ!

اَلْأَعْيَادُ هِيَ أَيَّامٌ مُبَارَكَةٌ يَعِيشُ فِيهَا الْإِنْسَانُ الشُّعُورَ بِالْأُخَوّةِ عَلَى أَعْلَى مُسْتَوَى. وَ اَلْأَعْيَادُ هِيَ أَوْقَاتُ السَّعَادَةِ الَّتِي تَتَلَاشَى فِيهَا غُيُومُ الْحُزْنِ عَنِ الْأَفْئِدَةِ وَتَتَدَفَّأُ بِدِفْءٍ بِشَمْسِ الشُّكْرِ. وَهُوَ فُرْصَةٌ وَنِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِقَبُولِ دُعَائِنَا وَيَعْفُوا عَنْ أَخْطَائِنَا وَيَرْزُقُنَا الْعُبُودِيَّةَ الْكَامِلَةَ.

وَكَمَا الْحَالُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِهِ اللهُ تَعَلَى بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَان، عِيدُ الْأَضْحَى  أَيْضًا هُوَ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى  عَلَى مَنْ تَحَلَّى بِإِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ وَصِدْقِ هَاجَر وَتَسْلِيمِ إِسْمَاعِيلَ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!

اَلْأُضْحِيَةُ هِيَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عِبَادَةٌ. وَأَهَمُّ شَيْءٍ فِي الْعِبَادَةِ هُوَ الْإِخْلَاصُ وَالْمِصْدَاقِيَّة. قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ  " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا  ...." 2.

اَلْغَايَةُ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَضَاحِي للهِ تَعَالَى فِي عِيدِ الْأَضْحَى هِيَ نَيْلُ رِضَاءِ اللهِ تَعَالَى.  قَامَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْرِ أُضْحِيَتِهِ بِنَفْسِهِ وَقَرَأَ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ التَّالِيَةَ عَنِ النِّيَّةِ لِنَحْرِ الْأُضْحِيَةِ 3

"4.


"5

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!

يَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي أَدْرَكَنَا فِيهَا سُنَّةُ نَبِيِّنَا الْكَرِيمُ بِشَكْلٍ حَسَّاسٍ. وَنُوَفِّي بِمَهَامِّنَا وَوَاجِبَاتِنَا الْمُلْقَاةِ عَلَى عَاتِقِنَا فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ الَّتِي تُعْتَبَرُ بِمَثَابَةِ خَزِينَةٍ لَنَا. وَلَا نَنْسَى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ الَّتِي تَبْدَأُ مَعَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي يَوْمِ عَرَفَة وَتَسْتَمِرُّ لِغَايَةِ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ رَابِعِ يَوْمِ عِيدِ الْأَضْحَى.

اَلْأُضْحِيَةُ هِيَ  رَمْزُ تَكْرِيسِ الذَّاتِ للهِ وَالطَّهَارَةِ وَهِيَ رَمْزُ الْاِقْتِرَابِ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَهِيَ أَمَانَتُهُ لَنَا.  فيَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا عَدَمُ تَعْذِيبِ الْأُضْحِيَةِ وَمُرَاعَاةُ الشَّفْقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ.

و يَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا مُرَاعَاةُ الدِّقَّةِ وَالْحَذَرِ أَثْنَاءَ نَحْرِ الْأُضْحِيَةِ وَ عَدَمُ التَّدَخُّلِ فِي أَشْيَاءَ لَا نَفْقَهُهَا فِي عَمَلِيَّةِ النَّحْرِ وَتَرْكُ ذَلِكَ لِأَهْلِ الخِبْرَةِ كَيْ لَا نُؤْذِي الْأُضْحِيَةَ وَنُؤْذِي أَنْفُسَنَا.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اَلنَّظَافَةُ نِصْفُ الْإِيمَانِ" 6 لِذَلِكَ و يَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا نَحْنُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   مُرَاعَاةُ النَّظَافَةِ أَثْنَاءَ الْإِيفَاءِ بِمَهَمَّةِ اَلْأُضْحِيَةِ. كَمَا يَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا أَيْضًا مُرَاعَاةُ حُقُوقِ الْعِبَادِ. لِذَلِكَ يَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا الْوَضْعُ بِعَيْنِ الْاِعْتِبَارِ تَوْزِيعُ لْأُضْحِيَةِ عَلَى الْجِيرَانِ وَالْأَقَارِبِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْيَتَامَى وَالْمُحْتَاجِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ نُقَدِّمُهُ سَنَكْسِبُهُ وَكُلَّ مَا تَقَاسَمْنَا هُوَ بِمَثَابَةِ غِنَى لَنَا.

لَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَحْتَاجُ لِلْإِجَازَةِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ أَنَّ أَيَّامَ الْعِيدِ لَيْسَتْ إِجَازَة. اَلْغَايَةُ مِنَ الْعِيدِ هِيَ صِلَةُ الرَّحِمِ وَإِسْعَادِ جَمِيعِ مَنْ نُحِبُّ وَأَوَّلُهُمُ الْأَبُ وَالْأُمُّ. لِذَلِكَ دَعُونَا نَتَسَابِقُ فِي إِسْعَادِ الْمَرْضَى وَالْكِبَارِ فِي السِّنِّ وَنُصْلِحُ بَيْنَ مِنَ الْمُتَخَاصِمِينَ وَنَسْعَى جَاهِدِينَ لِلْمُآَلَّفَةِ بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالْحُصُولِ عَلَى دُعَاءِ خَيْرٍ وَنُصْلِحُ بَيْنَ الْمُتَزَاعِلِينَ.

أَعِزَّائِيَ الْمُؤْمِنِينَ!

اَلْيَوْمُ هُوَ عِيدُ الْأَضْحَى. اَلْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ الْمُعَانَقَةِ وَالْعَفْوِ وَالتَّجْدِيدِ. اَلْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ الْأَمَلِ لِإِخْوَانِنَا لِلْمَظْلُومِينَ وَالْمَحْرُومِينَ الَّذِينَ يَقْضُونَ عِيدَهُمْ بَعِيدًا عَنْ دِيَارِهِمْ وَأهْلِهِمْ. أُهَنِّئُكُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْفَضِيلِ وَأُهَنِّئُ شَعْبَنَا الْعَزِيزِ وَأُهَنِّئُ الْأُمَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ. وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. لِيَكُنْ عِيدَكُمْ هَذَا وَسِيلَةً لَنَا لِنَيْلِ الرَّحْمَةِ وَالْعَدَالَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالنَّجَاةِ.

 

 

1 ابن حنبل، 4، 283، البخاري، 3، 15

2 الحج، 22/34

3 أبو داؤود، الضحايا، 3-4

4 الأنعام، 6/79

5 الأنعام، 6/162-163

6 الترمذي، الدعوات، 86

 

المديرية العامة للخدمات الدينية

إرسال تعليق

أحدث أقدم