الإِعْراضُ عَنِ اللَّغْوِ مِنْ
مَظاهِرِ الإيمانِ وَالإِسْلامِ
بارَكَ اللهُ
لَكُمْ في جُمُعَتِكُمْ إِخْوَاني الأَعِزّاءُ!
الحَمْدُ للهِ الذي
أَبْلَغَنا نَحْنُ المُؤْمنينَ إلى هَذا العيدِ المُبارَكِ وَيَوْمِ الجُمُعَةِ
المُبارَكِ، وَأَكْرَمَنا بِفَرْحَةِ العيدِ. وَالصَّلاةُ والسَّلامُ على سَيِّدِنا
مُحَمَّدٍ (ص) الذي عَلَّمَنا الإِسْلامَ وَالعِباداتِ وَالأَخْلاقَ وَالحَمْدَ وَالشُّكْرَ.
إخواني!
يَقولُ اللهُ تَعالى
في مُحْكَمِ تَنْزيلِهِ: "وَإِذَا
سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ
أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ"[1].
وَيَقولُ رَسولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَديثِهِ الشَّريفِ: "مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنيهِ"[2].
إخواني!
اليَوْمَ يَوْمٌ عَظيمٌ
نَعيشُ فيهِ العَيْدَيْنِ مَعاً ... اليَوْمَ هُوَ يَوْمُ الفَرْحَةِ الذي وَهَبَهُ
اللهُ لَنا مِنْ أَجْلِ أَنْ نَكونَ قَلْباً واحِداً، ويَشْعُرَ بَعْضَنا بِبَعْضٍ
بِمَزيدٍ مِنَ الأُخُوَّةِ ... اليَوْمَ يَوْمٌ فَضيلٌ مُبارَكٌ تَمْتَزِجُ فيهِ
التَّلْبِيَةُ مَعَ التَّكْبيرِ وَالدُّعاءِ وَالتَّضَرُّعِ...
إِخْوانِيَ المُؤْمِنونَ!
الأَعْيادُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ
تَرْفيهٍ وابْتِهاجٍ وَعُطْلَةٍ. الأعْيادُ كذلِكَ أَيّامٌ تُضْفي عَلى حَياةِ المُؤْمِنِ
مَعْنىً، ويَجْعَلُهُ قَريباً مِنْ رَبِّهِ وَإِخْوَانِهِ. وهَذِهِ الأَيّامُ هِيَ
أَيّامٌ تَزْدادُ فيها السَّعادَةُ عَبْرَ التَّشارُكِ بَيْنَ المُؤْمِنينَ، وَتَخِفُّ
فيها الأَحْزانُ وَالأَكْدارُ بِالتَّعاوُنِ وَالتَّضامُنِ. فَيَنْبَغي عَلَيْنا نَحْنُ
المُؤْمنينَ أَنْ نَبْلُغَ أَعْيادَنا بِهَذا الشُّعورِ، وَنَقْضي كُلَّ لَحْظَةٍ
مِنْ لَحَظاتِ أَعْيادِنا وَحَياتِنا بأَقْوالٍ وَأَفْعالٍ تُرْضي اللهِ تَعالى. فَالمُؤْمِنُ
هُوَ الشَّخْصُ الذي يَتَجَنَّبُ الأَقْوالَ وَالأَفْعالَ وَالمَواقِفَ التي لا تَصُبُّ
في مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَمُحيطِهِ وَالِإنْسانِيَّةِ.
إِخْواني!
الإيمانُ يَعْني أَنْ
يَتَحَمَّلَ الإِنْسانُ المَسْؤولِيَّةَ. فَكُلُّ نِعْمَةٍ وَهَبَها اللهُ لَنا تَسْتَوْجِبُ
الحَمْدَ وَالشُّكْرَ، وَكُلُّ نِعْمَةٍ أَكْرَمَنا اللهُ تَحْمِلُ مَعَها بِمَسْؤولِيَّةٍ.
وَمِنْ أَكْبَرِ مَسْؤولِيّاتِنا أَنْ نُوَظِّفَ هَذِهِ النِّعَمَ وَالإمكاناتِ
فيما يُرْضي اللهَ وَيَعودُ بِالخَيْرِ على الإنْسانِيَّةِ، وَأَنْ نُحافِظَ عَلَيْها.
وَيَنْبَغي أَنْ تَلْهَجَ
أَلْسِنَتُا بِقَوْلِ الصَّوابِ وتَتَجَنَّبَ الكَذِبِ، وَأَنْ تَكونَ أَقْوالُنا
تَرْجُمانَ الحَقِّ لا تَرْجُمانَ الباطِلِ. وَيَنْبَغي أَنْ تَتَحَرّى أَعْيُنُنا
الإِصْلاحَ لا أَنْ تَتَحَرّى الفِتْنَةَ وَالفَسادَ، وَيَنْبَغي أَنْ تَمْتَدَّ أَيْدينا
إلى الخَيْرِ لا إلى الشَّرِّ. وَيَنْبَغي أَنْ تَنْشُرَ عُقولُنا الحُسْنَ وَالجَمالَ
وَالخَيْرَ، وتَتَجَنَّبَ القَبيحَ وَالبَذيءَ وَالشَّنيعَ. وَقُلوبُنا يَنْبَغي أَنْ
تَكونَ عامِرَةً بِالمَحَبَّةِ لا بِالكَراهِيَةِ وَالحِقْدِ وَالبُغْضِ.
إِخْواني!
يَقولُ
رَسولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "لا تَزولُ قَدَما عَبْدٍ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ
عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فيما أَفْناهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فيما أَبْلاهُ وَعَنْ
عِلْمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وَعَنْ مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أَنْفَقَهُ"[3].
أيُّها المُسْلِمونَ الكِرامُ!
نَفْهَمُ
مِنْ هَذا الحَديثِ الشَّريفِ أَنَّنا جَميعاً سائِرونَ بِسُرْعَةٍ نَحْوَ يَوْمِ
الحِسابِ، وَأَنَّ رَأْسُمالِنا الأَكْبَرَ في هَذِهِ الرِّحْلَةِ هُوَ عُمُرُنا
القَيِّمُ، فلا يَنْبَغي أَنْ نَقْضي لَحْظَةً مِنْهُ هَباءً وَسُدَىً، وَأَنَّ أَكْبَرَ
قُوَّةٍ لَنا في هَذِهِ الرِّحْلَةِ هِيَ الإيمانُ باللهِ وَالاسْتِسْلامُ لَهُ، وَالكَسْبُ
الحَلالُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ. أَمّا الإِسْرافُ في كُلِّ هَذِهِ الأُمورِ وَاسْتِهْلاكُها
في أَشْياءَ تافِهَةٍ فَهُوَ الخُسْرانُ الأَكْبَرُ.
إِنَّ
ما يَجِبُ عَلَيْنا فِعْلُهُ في رِحْلَةِ الحَياةِ أَنْ نَتَوَرَّعَ عَنِ الأَقْوالِ
وَالأَفْعالِ وَالمَواقِفِ التي لا تَعودُ بِالنَّفْعِ لِأَنَّ هَذِهِ الأقْوالَ وَالأَفْعالَ
التَّافِهَةَ التي تَنْدَرِجُ تَحْتَ "ما لا يَعِنِيك" تَجْعَلُ أَذْهانَنا
مَشْغولَةً بأُمورٍ لا تُجْدي وَلا تَنْفَعُ، وَتَضُرُّ بِشَخْصِيَّتِا وَاعْتِبارِنا،
وَتَأْسِرُنا بمُرورِ الوَقْتِ. وَالمَشاغِلُ التي لا تُفيدُنا في الحَياةِ الدُّنْيا
وَلا في الحَياةِ الأُخْرى تَجْعَلُنا في مَنْأَىً عَنِ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، وَتَجْعَلُنا
نُضِيعُ أَوْقاتِنا وَحَياتِنا هَباءً.
إخواني!
لَقَدْ
غَزا عَصْرَنا فِخاخٌ يُمْكِنُ تَسْمِيَتُها بِفِخاخِ الوَقْتِ التي تَتَضَمَّنُ بَعْضَ البَرامِجَ التّلِفِزْيونِيَّةَ وَمَواقِعَ
الإِنْتَرْنِتِ وَالأَلْعابَ التي لا فائدَةَ فيها. هَذا النَّوْعُ مِنَ المَشاغِلِ
التي لا تَفيدُنا في الدُّنْيا وَلا في الآخِرَةِ يَجْعَلُ الإِنْسانَ بَعيداً عَنْ
نَفْسِهِ وَرَبِّهِ وَمُحيطِهِ، فَيَعيشُ في مَعْزِلٍ عَنْ إِخْوانِهِ. بَيْدَ أَنَّ
المُؤْمِنَ يَشْعُرُ بِبَرَكَةِ الوَقْتِ إذا ما انْكَبَّ على الأعْمالِ الصَّالِحَةِ
التي تَنْفَعُهُ في دُنْياهُ وَآخِرَتِه. وَلا يَغْدو الإِنْسانُ فَضيلاً وَمُسْتَقيماً
وَمُحْتَرَماً إلّا عِنْدَما يَتَلَبَّسُ بأَقْوالٍ وَأَفْعالٍ وَمَواقِفَ تَليقُ
بِإِنْسانِيَّتِهِ.
إِخْوانِيَ الأَعِزّاءُ!
أَوَدُّ
أَنْ أَخْتِمَ خُطْبَتي بِهَذا الدُّعاءِ الذي عَلَّمَنا إِيّاهُ رَسولُنا مُحَمَّدٌ
عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامُ: "اللَّهُمَّ إنّا نَعوذُ بِكَ مِنْ
شَرِّ أَسْماعِنا وَمِنْ شَرِّ أَبْصارِنا وَمِنْ شَرِّ أَلْسِنَتِنا وَمِنْ شَرِّ
قُلوبِنا"[4].
[1] القصص، 28/
55.
[2] الترمذي،
الزهد، 11.
[3] الترمذي، صفات
القيامة، 1.
[4] النسائي،
الاستعاذة، 4.
من إعداد المديرية العامة للخدمات الدينية